Site icon IMLebanon

الرئيس برّي والامتحان الشيعي

 

 

قالها الرئيس نبيه بري: “اللحظة هي امتحانٌ للشيعة قبل أي لبنانيّ آخر”.

 

إنها الجملة الأبرز في الكلمة التي خاطب فيها اللبنانيين بعد وقف إطلاق النار. جملة قد تحمل مراجعة لتجربة امتدت لعقود دفعت خلالها الطائفة الشيعية، ولبنان عموماً، أثماناً باهظة على المستويات كافة.

 

 

قد يُشكّل هذا “الامتحان” منعطفاً مهماً بين مرحلة وأخرى في تاريخ المكوّن الشيعي وما يحمله من انعكاس وتأثير على مستقبل جميع اللبنانيين.

 

 

“امتحان” استخلاص العِبر يبدأ بالاقتناع بأن تعود الطائفة الشيعية طائفة طبيعية. شأنها شأن باقي الطوائف المُكوّنة. لها حقوق وعليها واجبات تجاه البلد. تؤمن بالشراكة، وبأن الشراكة لا بد أن تكون حرّة، ولا يمكن أن تقوم على الفرض والتسلّط.

 

 

“امتحان” العودة إلى الدولة والتخلّي عن مسار الاستقواء على الدستور والقانون. هذا المسار يبدأ بالتسليم بحصرية السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية.

 

 

“امتحان” يحسم الخيار بين الإنماء والإعمار في الجنوب وبين إبقائه ساحة للحروب. لا سيّما أنّ الإصرار على إبقاء الجنوب مسرحاً للتجاذبات الإقليمية قد قضى على الإرث الذي بناه الرئيس بري على مدى عقود في مجال إعمار الجنوب وحوّله إلى خرابٍ.

 

 

السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه اليوم على الطائفة الشيعية هو: هل ستتخلّى عن الخيارات والسياسات التي حوّلت البلاد إلى ساحة للتجاذبات والصراعات الإقليمية؟ هذا هو “الامتحان” الحقيقي الذي يتطلب إجابة صريحة وواضحة بعيداً من المناورة والمماطلة.

 

 

بالإضافة إلى الأسئلة الكثيرة التي يمكن أن يحملها هذا “الامتحان”، إنّ كلام بري يحمل أيضاً أهمّية خاصة من حيث التوقيت. إذ أتى مع إعلان وقف إطلاق النار بعد حربٍ أصابت النفوذ الإيراني في مَقتلٍ. وأتى بعد “الوصايا السبع” التي أطلقها المرجع الشيعي السيد علي السيستاني، والتي شدّد فيها على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة. لكنه أتى أيضا بعد المقالة التي نشرها النائب محمد رعد، الذي أكّد التمسك بمعادلات ما قبل الحرب والاستمرار بذات السياسات كأن شيئاً لم يحصل.

 

 

لطالما شكّل تكاتف اللبنانيين ركيزة أساسية في مواجهة العدو الإسرائيلي، إذ أسهمت جميع المكوّنات اللبنانية، في مراحلَ مختلفة، وبأشكالٍ متنوّعة، في تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي. لكن التخلص من هيمنة أو نفوذ دولة شقيقة أو صديقة، لا يمكن أن يتحقق إلّا بدورٍ فعّالٍ وحاسمٍ من قبل مكوّنٍ بعَيْنه. والتاريخ شاهد على ذلك منذ الاستقلال. إنّ إنهاء الانتداب الفرنسي لم يكن ليتحقق دون الدور المحوري الذي لعبه المسيحيون، كذلك لم يكن إخراج الجيش السوري ممكناً دون موقف السنّة وحسم خيارهم لصالح شعار “لبنان أولاً”.

 

 

اليوم، يقف الشيعة أمام مسؤولية مفصلية. إذ لا يمكن إنهاء النفوذ الإيراني في لبنان إلا بقرار شيعي يُعلي مصلحة البلد والشراكة مع اللبنانيين الآخرين على مصلحة إيران والشراكة مع أذرعها في المنطقة. وفي هذا السياق، تبرز مسؤولية الرئيس نبيه بري، الذي تقع على عاتقه مهمّة ترسيم معالم خيارات الطائفة الشيعية، التي لا بدّ ان تبدأ “بترسيم للحدود” بين شيعة لبنان وإيران.

 

 

إنه “امتحان تاريخي” يُحتّم الاختيار بين التمسّك بالمعادلات “الخشبية” والمشاريع العابرة للحدود التي انتحرت بالشيعة وبالبلد، أو السير باتجاه خيار عقلاني – لبناني يحمل الخلاص، ليس للطائفة الشيعيّة فحسب، بل للبنان بأسره.