IMLebanon

الثوابت الحكومية الشيعية الثلاث

قبل أن يبدأ الرئيس سعد الحريري استشاراته النيابية حول الحكومة، كانت قنواته الخاصة في ذروة نشاطها لتأمين ولادة سريعة للحكومة.

فيما كانت لقاءات ساحة النجمة شكلية ورمزية أكثرَ منها فعلية، كان مدير مكتب الرئيس الحريري ورَجل الثقة الأوّل لديه، نادر الحريري، يتولى فكَّ شيفرة قفل الحكومة تارةً مع «حزب الله» عبر حسين خليل وطوراً مع حركة «أمل» عبر الوزير علي حسن خليل.

وتبقى النقاط الشائكة في الملف الحكومي مرتبطة بتوزيع الحقائب، خصوصاً بتوازناتها. ذلك أنّ البيان الوزاري كان قد جرى التفاهم حوله في المراحل التفاوضية الأخيرة التي واكبَت الاتفاق على خيار العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. ويومها نقلَ الوزير جبران باسيل إلى قيادة «حزب الله» موافقةَ الحريري على اعتماد البيان الوزاري نفسِه الذي اعتمدته حكومة الرئيس تمام سلام.

لكنّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله الذي تعمّد بأن تكون إطلالته الإعلامية قبلَ الشروع الفعلي بترتيب الصيَغ الحكومية المختلفة كان واضحاً في رسالته: فاوِضوا نبيه برّي وأنجِزوا تفاهماً معه، ذلك أنّ قرار مشاركتنا في الحكومة في يده هو.

لا بل أكثر، بدا نصرالله في عباراته المنتقاة بدقّة متناهية، وكأنّها تُخفي معانيَ صارمة. فهو بعدما تحدّثَ عن وفاء والتزام وشهامة وشجاعة العماد عون، طلبَ بأن لا يزايد عليه أحد في موضوع دعمِ العهد، فاصلاً بذلك ما بين العلاقة الوطيدة مع قصر بعبدا ومشاكل تشكيل الحكومة.

مصادر «حزب الله» ترفض الحديثَ عن وجود مطالب للحزب، خصوصاً حولَ توازنات الحكومة وتأمين الثلث المعطل، لكن الأوساط الديبلوماسية التي تتابع بدقة خفايا المفاوضات الدائرة حول التشكيلة الحكومية تبدو مقتنعةً بوجود ثلاث ثوابت يرتكز عليها «حزب الله» في الملف الحكومي:

1- ردُّ اعتبار معنوي وسياسي للرئيس نبيه برّي بعد النكسةِ التي تلقّاها إثر تفاهُم عون والحريري على الملف الرئاسي واستبعاده عنه، وبالتالي يريد السيّد نصرالله تثبيتَ شراكة الشيعة في الحكم من خلال برّي.

2 – إعطاء جرعة دعمٍ واضحة لبرّي تجعله قادراً على المطالبة بالحقائب التي يريد. صحيح أنّ حقيبة المال حسِمت له من خلال الوزير علي حسن خليل، وهو ما سلّم به الحريري ضمناً.

لكنّ العارفين يقولون إنّ بري يريد أيضاً حقيبة الطاقة ولو أنّه نفى ذلك علناً ورسمياً. وفي المقابل، يبدو الحريري موافقاً في نهاية المطاف على إعطاء بري ما يطلبه من حقائب ولو بعد حصول شدّ حبال شكلي.

3- وهي الثابتة الأهمّ وتتعلق بتوازنات الحكومة والثلث المعطل. وحسبَ هذه الأوساط الديبلوماسية، فإنّ «حزب الله» أو حركة «أمل» لن يعلنا أبداً تمسّكهما بالثلث المعطل، ذلك أنّ مصادر «حزب الله» التي ترفض بشدّة أيّ حديث عن ثلث معطل تضيف «ما بيننا وبين الرئيس عون ثقة كبيرة وأبعد وأعمق من ثلث معطّل»، وتضيف: «ضمانتُنا هي توقيع فخامة الرئيس ولا نحتاج لأكثر من ذلك».

ورغم ذلك، فإنّ الأوساط الديبلوماسية تبدو واثقةً بأنّ المطلب الفعلي غير المعلن سيكون تأمين الثلث المعطل، مشيرةً إلى أنّ هذا الثلث سيتأمّن من خلال توسيع مروحة المشاركة في الحكومة والتي سيكون عنوانها حكومة وحدة وطنية.

وسيحاول الحريري بدايةً التملّص، لكنّ برّي سيرفض، ومن ثمّ سيحاول الحريري إجهاضَ ذلك من خلال عون الذي سيَدخل على الخط. وقيل إنّ مِن بين الافكار التي ستُطرح أن تكون الكتلة الوزارية لرئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط والتي ستتألف من ثلاثة وزراء (إثنان دروز ومسيحي)، هي الكتلة الوازنة داخل مجلس الوزراء أو بيضة القبّان، في دور شبيه لدور كتلة جنبلاط النيابية في المرحلة الماضية.

لكنّ «حزب الله» سيتمسّك من خلال برّي بتوازنات وزارية صافية، وفق ما تعتقد الاوساط الديبلوماسية والتي تبدو واثقة بأنّ الحريري سيوافق في نهاية المطاف على الثوابت الثلاث الموضوعة، لأنه يريد ولادةً سريعة للحكومة، أضِف الى ذلك انّه يعتبر أنّ عنوان هذه الحكومة هو الإشراف على الانتخابات النيابية اكثر من حكومة برنامج عمل سياسي.

أمّا «حزب الله» ورغم إدراكه بأنّها حكومة الستة أشهر، فإنه لا يستطيع ان يخلقَ سابقةً قد تُعتمد لاحقاً وسط منطقة تتفجّر فيها البراكين وتقذف حممَها في كلّ الاتجاهات.

في كلّ الأحوال، استنتجَت هذه الاوساط الديبلوماسية من كلام نصرالله أنّ احتمالات تأخّر ولادة الحكومة قائمة، إلّا إذا وافقَ الحريري في نهاية المطاف على المطالب التي سيَحملها بري وخصوصاً توسيع دائرة المشاركة، ذلك أنّ القرار الفعلي لدى الفريق الشيعي ليس تعطيل ولادة الحكومة وإلّا لكانت المطالب مختلفة.

ما يَعني أنّ المسألة هي التمسّك بمطالب يَعتبرها الفريق الشيعي حيوية، خصوصاً في مرحلة تبدّل المعطيات السياسية الداخلية وخلطِ الاوراق الحاصل حول الاصطفافات السياسية.

والواضح أنّ الحكومة ستكون ثلاثة، ويبدو معها أنّ حصّة «القوات اللبنانية» لن تكون كما وعَدت نفسَها، أي خمسة وزراء. المداولات الحاصلة في الأروقة السياسية تشير إلى أنّ حصّة «القوات» ستكون ثلاث وزراء.

في العام 1989 أعطى سمير جعجع موافقتَه على «اتّفاق الطائف» بعدما شجّعَ النواب على المشاركة في المؤتمر، لكنّه كان يُردّد أمام القريبين منه أنّ هذا الاتفاق سيَسمح بإزاحة الجنرال عون من بعبدا من دون ان يؤدي ذلك إلى تطبيق بنوده، فهو كما القطار الذي يصفّر ويُحدث جلبةً كبيرة لكنّه لا يستطيع السير الى الأمام.

لكنّ النتيجة كانت أنّ القطار تحرّكَ الى الأمام، وتحرّك بقوّة، بعد تلزيمه لسوريا وأخذ بدربِه كلّ من كان يقف في وجهه، وأوّلَهم جعجع نفسَه.

ومنذ نحو العام، دخلَ جعجع في خيار دعم عون لرئاسة الجمهورية، وهو يراهن ضمناً أنّ وصول عون إلى قصر بعبدا مستحيل، كما ردَّد أمام القريبين منه. وبذلك يقطف إيجابيات خطوتِه من خلال تثبيتِ ثنائية مسيحية ترثُ كلّ القوى والشخصيات المسيحية الأخرى قبل أن تتحوّل لاحقاً إلى أحادية حصرية.

وشكّلت محطة الانتخابات البلدية ساحة الاختبار الأولى في هذا الإطار، لكنّ عون وصَل إلى قصر بعبدا بعد تقاطعٍ إقليمي سعودي – إيراني أفضى في النتيجة إلى خيار تقاسُمِ السلطة في لبنان وتوزيعها وتنظيمها.

وأمام الواقع الإقليمي وتأثيره المباشر على التوازنات اللبنانية الداخلية، بدا أنّ شريكَي عون في السلطة سيكونان «حزب الله» وتيار «المستقبل»، وستَخضع التوازنات الحكومية الآن وفي المستقبل لهذه القاعدة وليس أبداً لحسابات حدودُها «الزواريب اللبنانية».