Site icon IMLebanon

“الأسباب الموجبة” لتشدّد الثنائي

 

هناك من يعتقد أنه لو تركت الأمور لرئيس البرلمان نبيه بري، لكانت الحكومة رأت النور بعدما أبلغ الرئيس الفرنسي ليل السبت الماضي بأنه على رغم عدم رضاه عن طريقة تشكيل الحكومة وعدم التشاور مع الثنائي الشيعي وعن عدم الأخذ بمطلبه الإبقاء على حقيبة المال في يد وزير شيعي، فإنه لن يعرقل إنجاز التركيبة الحكومية ولن يشارك فيها وسيمنحها الثقة ويسهل إقرار القوانين الإصلاحية، وبعدها لكل حادث حديث. وعكس بري هذا الموقف في بيانه الأحد معلناً عدم المشاركة في الحكومة، والاستعداد للتعاون “إلى أقصى الحدود”.

 

بدا أن موقفه، يقرّب ولادة الحكومة، لأن بري يتجنب مواجهة المبادرة الفرنسية، لولا أن “حزب الله” عارض هذا التوجه، نتيجة عوامل عدة، فأطلق نفير التشدد والإصرار على مطلبي احتفاظ الثنائي الشيعي بوزارة المال وعلى حصر تسمية الوزراء الشيعة به ورفض تسميتهم من قبل الرئيس المكلف مصطفى أديب.

 

الإصرار على هذين المطلبين يومي الإثنين والثلثاء الماضيين خلال المشاورات التي أجراها الرئيس ميشال عون لم ينحصر بـ”حزب الله” بل شمل أيضاً وفد كتلة “التنمية والتحرير” التي يرأسها بري. بهذا يكون الأخير عاد عما كان أبلغه إلى ماكرون، وعن البيان الذي أصدره الأحد وأكد فيه “عدم رغبتنا في المشاركة” في الحكومة، الذي يفترض الخروج من لعبة تسمية وزراء، فيما أحد المعايير التي وضعها الرئيس المكلف وزراء اختصاصيون لا ينتمون إلى الأحزاب والكتل النيابية، حتى لا تغرق حكومته في مهمة الأشهر المعدودة التي جاءت لأجلها، بما وقعت فيه سابقتها.

 

سواء كانت عودة بري عن موقفه نتيجة اضطراره إلى الالتحاق بتشدد “حزب الله” أو كان ذلك توزيعاً للأدوار مع الحزب، كما يعتقد بعض الذين تفاءلوا بما أعلنه تسهيلاً لصيغة أديب، فإن البحث عن دوافع العودة إلى التشدد من قبل الثنائي الشيعي تتجاوز الأسباب المحلية إلى المشهد الإقليمي، مع الأخذ في الاعتبار الموقف الإيراني الذي كان في أساس تجاوب الحزب مع مبادرة ماكرون.

 

وحتى لا يتم إهمال الأسباب المحلية، تبدو الحجج التي ساقتها أوساط بري بعد عودته عن الليونة التي أوحى بها، ونفاها مكتبه الإعلامي، منسجمة مع تحفظاته كمفاوض رئيسي باسمه وباسم الحزب في تأليف الحكومات، وتعبر عن هواجس حيال استضعاف الثنائي في تشكيل الحكومة. فنزع حقيبة المال من الثنائي الذي يتوخى عبرها ممارسة “الفيتو” في السلطة الإجرائية (وهي مرادف لصيغة الثلث المعطل الذي تكرس بعد احتلال بيروت في 7 أيار 2008 في اتفاق الدوحة)، وحرمانه من الدور المحوري الذي لعبه الثنائي في استيلاد الحكومات خلال العقد الماضي، عبر الحركة المكوكية التي اعتاد عليها “الخليلان” عند كل استحقاق، ومن أن تكون الكلمة الأخيرة له في ولادة الكائن الحكومي بأن يبلغ بري أسماء الوزراء الشيعة قبل دقائق من طباعة المراسيم في القصر الجمهوري، أضيف إليها شعور باستضعاف “التيار الوطني الحر” لـ”الثنائي”، بعد العقوبات الأميركية التي طاولت اليد اليمنى لبري، الوزير السابق علي حسن خليل، فبات جبران باسيل يصر على عدم استثناء حقيبة المال من المداورة، ويرفض المثالثة، وسط اصطفاف مسيحي جديد بعد دعوة البطريرك بشارة الراعي إلى الحياد…

 

الموجبات الإقليمية للتشدد لدى “حزب الله” وإيران تبدأ بمشهد التطبيع الإماراتي وخصوصاً البحريني مع إسرائيل، ولا تنتهي عند مظاهر التصعيد ضد الوجود الأميركي في العراق، مروراً بالقصف الإسرائيلي على المواقع الإيرانية في سوريا.