لم يتوقّف المعارضون لحزب الله داخل الساحة الشيعية يوماً عن البحث عن فرصة للتحوّل إلى قوّة سياسية. أتت حرب أيلول 2024، وما تخلّلها من ضربات قوية تعرّض لها الحزب، لتزيد من شهية هؤلاء بمختلف مشاربهم لتشغيل المحرّكات بدفعٍ من الوقائع المستجدّة لبنانياً، قبل أن يأتي الحدث السوري ليزيد من قوة الاندفاعة.
ورغم التحفّظ المبدئي لعددٍ من الشخصيات المشاركة في ما يُشبه «ورشة عمل»، على التقولب في إطار عملٍ سياسي شيعي بحت، إلا أنّ «المعارضين الشيعة» يشكّلون نواة مبادرات سياسية ستُطلق في الأيام المقبلة. ومنذ ما قبل وقف إطلاق النار، بدأ هؤلاء ينظرون إلى أنّ مرحلة ما بعد الحرب، ستشهد طرح «المسألة الشيعية»، على غرار «المسألة المارونية» بعد الحرب الأهلية، و«المسألة السنية» بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبدأت شخصيات ومجموعات شيعية معارضة تتبادل الدعوات وتخوض نقاشات حول مجموعة أفكارٍ لخلق أطر عمل سياسي، تواكب ما تصفه أوساطها بـ«التغيير الكبير»، مع توقّع انطلاق أكثر من مبادرة تتغربل مع الوقت، مع الإقرار بأنّ «المعارضين للحزب يختلفون في تقدير الموقف وآليات العمل، وليس من الضروري أن ينضووا جميعاً تحت سقف إطارٍ واحد». جزء أساسي من المعارضين تنقل أوساطهم، أنّ «الحوار مع حزب الله، خطوة تأتي بعد أن يحدّد الحزب ماذا يريد، ويقيّم أدواره انطلاقاً من المسؤولية الوطنية، ويعطي ثقة للناس، وسيأتي يوم نتحاور فيه مع الحزب ونكون صريحين جداً، ونحن نرى إشاراتٍ إيجابية، لكنّ أموراً كثيرة تحتاج إلى التوضيح». ويقول هؤلاء: «يخطئ من يعتقد بأنّ حزب الله لا يزال على قوّته كما يخطئ من يعتقد بأنّه انتهى كحالة سياسية واجتماعية وشعبية، ويهمّنا مناقشة المجتمع الجنوبي والشيعي، بانعكاس الخيارات التي اتخذها الحزب عليه، وفتح الفضاء الجنوبي للنقاش».
وفي هذا السياق، سيتم غداً إطلاق مبادرة «نحو الإنقاذ»، وهي كما يعرّف عنها مطلقوها، «وثيقة سياسية، تجمع صحافيين ومثقّفين، في محاولة لبناء تحالف يواجه المرحلة المقبلة»، وتضم الشيخ عباس الجوهري، المرشّح السابق للانتخابات النيابية على لائحة «التغيير» عن دائرة صور – الزهراني علي خليفة (نال 595 صوتاً)، رئيس تحرير موقع «أساس» محمد بركات وهادي مراد. فيما لا يزال رجل الأعمال الجنوبي يوسف الزين (قريب النائب الراحل عبد اللطيف الزين)، صاحب فكرة «المجلس السياسي»، يبحث في موعد إطلاق «المجلس» كتجمّع شيعي. أما فريق الناشطين المقرّبين من الناشط الراحل لقمان سليم، مثل أحمد مطر ومالك مروة، والعاملين في مركز «أمم للأبحاث والتوثيق» مثل جاد أخوي وعبّاس هدلة، فهم يشاركون في لقاءات عدة من دون الالتزام مع أي تجمّع.
كذلك يشهد يوم الجمعة إطلاق شخصيات لبنانية «المنبر الوطني للإنقاذ» الذي سيعلن مؤسّسوه عن «النداء الوطني حول خارطة الإنقاذ والثوابت». ومن الأسماء المشاركة في تشكيله علي مراد ومصطفى فحص وحارث سليمان ومحمد علي مقلد… ويقول مراد: «إننا جزء من المنبر الإنقاذي، ونسعى إلى انضمام أكبر قدرٍ من الناشطين الذين عارضوا الوجود السوري وحزب الله، ويؤمنون بتثبيت فكرة مرجعية الدولة على كلّ الصعد، واحترام الدستور واتفاق الطائف كركيزة أساسية، والتباحث في كيفية التعاطي مع حزب الله كحالة شعبية، ومع سلاحه في المرحلة المقبلة، ومسألة الحماية من الإجرام الإسرائيلي، وأيضاً التعاطي مع المتغيّرات السورية»، مركّزاً على رفض أن يكون الإطار شيعياً.
من جهته، لفت مقلد إلى أنّ «المنبر ليس حزباً ولا تجمّع أحزاب، لا يشبه الحركة الوطنية اللبنانية ولا الجبهة اللبنانية، بل يشبه حركة 14 آذار، لكل مكوّن في المنبر، الحفاظ على حرية العمل بمفرده، والاجتماع على مشروع عنوانه لا حلّ إلا بالدولة. والدولة ليست دولة المحاصصة، وممثلي الطوائف، إنما القانون والمؤسسات والكفاءة والديمقراطية والحريات والعدالة الاجتماعية، تحت سقف الدستور، وضد العمل المسلّح والميليشيات، وكل أشكال العنف، لنتفادى الوقوع مرة جديدة في مطبات الحرب، والتأكيد على أنّ السيادة لا تنحصر بمواجهة عدو خارجي على الحدود، بل تفترض سيادة القانون داخل الأراضي».
في ظلّ هذا الحراك، هناك معارضون لم يجدوا في ما يُطبخ مكاناً يشبههم للانخراط فيه، وعن هذه الحالة يلفت المستشار في العلاقات السياسية والناشط السياسي محمد عواد إلى أنّ «العمل السياسي المعارض، يتّخذ الطابع الموسمي، وليس أكثر من ردة فعلٍ بعد كلّ حدث منذ عام 2015 أقله وحتى الآن»، مضيفاً: «لم نشعر بجدية النضوج السياسي الذي يسمح بالخروج بمبادرةٍ فيها خطاب جامع، جل ما نراه شخصيات، كل منها تدعو إلى شيء ما، وغالباً تناقش بعضها وتنظّم وتقرّر ضمن حلقة ضيقة».