IMLebanon

التشيّع العاملي والتشيّع الخميني

 

 

كلّ ما يمكن استرجاعه من الفقه السياسي الشيعي يذهب إجمالاً إلى تبنّي سلطة مدنية – بمعنى أنها لادينية.

 

 

لأن “لا بد للناس من إمرة برّ أو حتى فاجر”. بل لأن السلطة، وإنْ غصبيّة – أي السلطة التي تقوم بغياب أصحابها الشرعيين، لَهي أهون الشرور. هكذا بكلّ وضوح وسلاسة، لم يكن التشيّع العاملي ليحمل أي مشروع سياسي للمجتمع. وكان التشيّع ليتصالح من هذا الباب مع الفكر السياسي في الحداثة.

 

 

 

حتى جاء الخميني. وجد ضالّته لتثبيت حكمه في طموحات طارئة ساورت نفوس بعض الفقهاء حيال إشكالية العلاقة مع السلطة التي كانت غالباً في موقع الاضطهاد. استثمر الخميني لأجل طموح السلطة لديه في تاريخ ملتبس. فأحيا رميمه.

 

 

 

وانقلب على مساق تاريخي واضح للتشيع العاملي الذي يفضي إلى خيار الدولة المدنية. اخترع الخميني، محلّ التشيّع العاملي الذي قرّر أن يغتاله، ما يمكن اصطلاحه تحت مسمّى التشيّع الخميني وهو مشروع للاستئثار بالسلطة بكلّ مفاصلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبغطاء تمّ التعاطي معه من منظور القداسة.

 

 

 

جعل شيعته في انتظار للمهدي الغائب، ليبقى هو الحاضر الدائم. وبين غيبة صغرى تعهّدها نواب خاصّون فأبقوا على تواصل غير مباشر للشيعة مع إمامهم، وغيبة كبرى انقطع معها مشروع الدولة الدينية وسلطة الحق الإلهي، أطلّ التشيّع الخميني شرهاً نهماً لتثبيت السلطة.

 

في التشيّع العاملي، الفقه هو العلم بالدين وبأحكامه المستنبطة من أدلّتها الشرعية. بينما في التشيع الخميني، “ديننا عين سياستنا وسياستنا عين ديننا”.

 

في التشيّع العاملي، الفقيه في موقع النيابة العامة جامعُ شرائط الأحكام والفتوى. بينما في التشيّع الخميني، يدخل نائب الإمام في السلطة.

 

في التشيّع العاملي، لا ولاية للفقيه بل يمكنه تقييد سلطة الحاكم الزمني في سلطة غير ذات صفة دينية وفي إطار الدولة المدنية. بينما في التشيّع الخميني، الولاية للفقيه الذي يقبض بشكل مطلق على مفاصل السلطة، مدّعياً أنه مكلّف من الله، والمواطنون يظلّون ساكنين صاغرين بانتظار عودة المهدي من غيبته الكبرى.

 

في التشيّع العاملي، الأصل حفظ النظام، واللّزام قيام مشروع الدولة، والمرتجى مصلحة المجتمع، وولاية الأمة على نفسها. بينما في التشيّع الخميني، الأصل حفظ الولاية ولو احترقت كل الجغرافيا السياسية حولها ولأجلها، والأساس أمّة “حزب الله” ودولة “حزب الله” والدين الخاص لـ”حزب الله”، ولا مصلحة لأي مجتمع كان، ولا لأي جماعة يخرج منها الفرد شاهراً كرامته الإنسانية ومتطلبات استقراره وحافظاً إمرة نفسه.