أيها الإخوة الشيعة في الوطن من المؤكد أننا على الصعيد السياسي – العسكري لستم وحدكم مشرّدين ومغبونين ومظلومين في هذه الحقبة من تاريخنا الوطني والذي من المفترض يكون مشتركاً تحكمه القوانين اللبنانية المرعية الإجراء وشرعة حقوق الإنسان وشرعة العمل السياسي القانوني. في هذه الحرب جميعنا نُعاني الأمرّين، ولكن الثابت والواضح هو أنّ مصيرنا المشترك يُكتب في الجمهورية اللبنانية وليس في بلدان أخرى، جميعنا مسيحيين ومُسلمين بتنا مقهورين ومغبونين وربما ضحايا التدخلات الخارجية في شؤوننا الداخلية.
كلنا في خطـر جغرافيتنا في أحلك أوضاعها وهي بين النار والنار، وستحرقنا وسينتهي كل شيء في حال بقينا على منظومة عدم الولاء للجمهورية اللبنانية. نحن بحاجة إلى الثقة المتبادلة لا إلى أفكار التخوين والعمالة، علينا أن نقف جميعاً في وجه هذه العاصفة العاتية التي ستقضي علينا ومن دون إستثناءات. دعونا نتوّحد حول العلم اللبناني والسيادة الوطنية كي يعـود إلى الوطن نظامه الحر، الذي أضاعه ساستنا في لحظات تاريخية حكمها الجهل والعمالة والتفرّد في الرأي وفي أحادية المواقف، دعونا نجدِّد الوعـد بالقول جميعنا أنّ الحكمة أبقى من وحَيٍّ في حجر.
إذا كانت الطائفة الشيعية بخير حتماً فإنّ سائر الطوائف والمذاهب يكونون بخير، فالأصالة اللبنانية هي الأساس لأي عمل نضالي وطني، إنّ تأصُّل اللبنانيين في الجمهورية اللبنانية وما يحّلُ بنا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا المشترك الواحد من ويلات هذه الحرب التدميرية يضع على عاتقنا مسؤولية خاصة في ما يرجع لا لمستقبلنا وحسب بل لمستقبل أجيالنا في الجمهورية اللبنانية. إنّ ما يهمّنا كباحثين في «المركز الدولي للأبحاث السياسية والاقتصادية PEAC» هو أن يبقى لبنان وطن التعايش، وطن الأحرار، وطن الشرفاء، وطن الحريات، وطن الإنصهار الحر. ومتى فَقدَ لبنان هذه الطاقة الإنسانية الحضارية الخُلُقيّة فإنّ تغييرات سلبيّة سوف تطول مجتمعنا اللبناني وأخطرها لا بل أشدّها زوال صيغتنا (صيغة العيش المشترك) لحساب التوتاليتارية والأنظمة الشمولية.
ميزتنا اللبنانية هي الخدمة والإنفتاح على العالم العربي والدولي، لماذا علينا تحمُّل أخطاء السياسة والسياسيين؟ وهل يعقل أن يحكمنا رعاع السياسة بالعزلة والإنعزالية والعداء لبعضنا البعض؟! مهما يكُنْ أيها الإخوة إنّ الآفة الكبرى في هذه المرحلة الخطــرة تكمن في السياسة المنتهجة والتي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من حروب وفقر وبطالة وهجرة وتدمير ممنهج لوطننا ولمؤسساته الشرعية المدنية والعسكرية… كل ذلك خدمة للغريب الذي يُدير سياساته ومصالحه من على أرضنا ونحن نُعاني ما نُعانيه من ظُلم ذوي القُربى الذين يدّعون المحافظة علينا وعلى مصالحنا، والواقع يشي عكس ذلك.
جميعنا نُعاني أزمة حادّة خانقة بسبب الاضطرابات السياسية – الأمنية – الاقتصادية – المالية – الإجتماعية التي تعانيها البلاد ، وصدق قول المثل القائل «كلّ واحد بيجُّرْ النار إلى جماعته»، أي كل مجموعة تعمل منفردة وضد الأخرى هل تجوز هذه التصرفات ، هل يجوز أن نتجاهل مصالحنا المشتركة؟ هل يجوز بعد كل هذه السنين أن يتم تجاهل بعضنا البعض دينياً – وطنياً، ليَكْتُب لنا مصيراً يختاره الغريب؟!
إنّ الجمهورية اللبنانية هي على مفترق طُرُق وكل طائفة ومذهب في ظروف تاريخية تفرض الخروج من حال الحيرة والإرتهان والتردُّد وتحتّم التفكير المليّْ والرجوع إلى الذات الوطنية في سبيل الأصالة لا كأفراد أو كأجــزاء مبعثرين متناثرين متناحرين، بل كشعب متضامن متناغم القوى، وكمجموعة سياسية متحرِّرة مسؤولة عن الجمهورية اللبنانية وعن الحضارة اللبنانية وعن تاريخنا المشترك.
إنّ وجودنا في الجمهورية اللبنانية هو شهادة للقيم الوطنية الصرفة البعيدة عن العمالة والمصالح الخاصة التي يجب أن نرفعها عالياً بتحلّينا بالأخلاق والوطنية والسماح ونشر المحبة والمحافظة على سيادتنا الوطنية تطبيقًا للدستور اللبناني وللقوانين المرعية الإجراء وفي طليعتها قانون الدفاع الوطني الذي ينص في مادته الأولى حصرية حمل السلاح والدفاع عن الدولة ومؤسساتها بواسطة قواها الشرعية دون سواها. إنّ المُطالبة بتطبيق قانون الدفاع الوطني ليس خيانة وليس إنتقاصاً من كرامة أحد، إنه المنطق القانوني الذي من المفترض سلوكه في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا الوطني المشترك.
أيها الإخوة الشيعة أستشهد في ختام مقالتي بما قاله سماحة الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين بما يلي: «أوصي أبنائي وإخواني الشيعة الإمامية في كل وطن من أوطانهم، وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وأن لا يميِّزوا أنفسهم بأي تمييز خاص، وأن لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً يميِّزهم عن غيرهم، لأنّ المبدأ الأساس في الإسلام – وهو المبدأ الذي أقرّه أهل البيت المعصومون عليهم السلام – هو وحدة الأمة التي تلازم وحدة المصلحة ووحدة الأمة تقتضي الإندماج وعدم التمايز. وأوصيهم بألّا ينجّروا وألّا يندفعوا وراء كل دعوة تريد أن تميّزهم تحت أي ستار من العناوين، من قبيل إنصافهم ورفع الظلامة عنهم، ومن قبيل كونهم أقليّة من الأقليات لها حقوق غير تلك الحقوق التي تتمتّع بها سائر الأقليات». وقبل الختام أذكّركم بما قاله الإمام المغيّب موسى الصدر «أنتم أيها السياسيون آفة لبنان وبلاؤه وإنحرافه ومرضه وكل مصيبة، إنكم الأزمة إرحلوا عن لبنان».
* كاتب وباحث سياسي