Site icon IMLebanon

الشيعة وإتّفاق الطائف

كلّما ضاقت الخيارات السياسية، وظهرَ النظام عاجزاً عن التعامل مع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خرجَت أصوات تتّهم «حزب الله»، وبنسبة أقلّ حركة «أمل» بالنيّة لتغيير النظام والدفع نحو صيغة جديدة قائمة على ما يسَمّونه «المثالثة»، وفي حين أنّ مجموعة كبيرة من السياسيين والكتّاب والإعلاميين على «قناعة» تامّة بهذا «الاتّهام»، يبدو «الثنائي الشيعي» في مكان آخر، وليس في حساباتهما ولا خططِهما أيُّ نوعٍ مِن البحث والدفع نحو نظام جديد.

تقول مصادر وثيقة في «الثنائي الشيعي»، إنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي حازمٌ ونهائي في رفض مناقشة أيّ فكرة متصلة بتغيير النظام. ورغمَ أنّه يرى مِن موقعِه كرئيس للسلطة التشريعية حجمَ التآكل في مؤسسات الدولة والانهيارات والفراغات في المؤسسات الدستورية، ويقول لمن يسأله عن الموضوع: «أنا آخر مَن يتحدّث عن هذا الأمر ولن أبحثَ فيه إلّا إذا رغبَ الجميع بذلك».

وتشير المصادر إلى أنّ حركة أمل وجهٌ مِن أوجُه النظام السياسي الحالي، وبالتالي هي مِن الداعين الى احترام وتطبيق «اتّفاق الطائف». وفي هذا السياق تؤكّد الحركة في معظم أدبياتها على «التطبيق الكامل» للطائف وليس الاكتفاء ببعض البنود وإهمال بنود إصلاحية جوهرية كبندِ «إلغاء الطائفية السياسية» والشروع في تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية التي نصَّ عليها «الدستور».

هذا مع العِلم أنّ الرئيس برّي لم يكُن مشاركاً في الاجتماعات التي أفضَت الى توقيع الاتفاق بين نوّاب مجلس العام 72. وهذا يُشير الى غياب «الشيعة» عن توقيع الاتفاق، لأنّ مَن حضر من النواب اجتماعات «الطائف» كانوا منفصلين عن الواقع الشعبي ولم يكونوا حائزين على شرعية شعبية، فالشيعة أصبَحوا في مكان آخر بين العام 1972، والعام 1989. ورغم ذلك قبلت حركة أمل الاتفاق، ولم يتأخّر حزب الله عن الالتحاق بركبِه في الانتخابات النيابية من العام 1992.

المشكلة ليست في «الطائف» بل في الاستنسابية التي تَعتري ممارستَه، حيث درجَت الحكومات المتعاقبة في زمن الوصاية السورية على نمط محدّد حصرَ مختلف السلطات بيَد رئيس الحكومة وليس مجلس الوزراء، وأصبحَ هذا «العرف» سارياً، مع العِلم أنّ «اتّفاق الطائف» قال بأنّ السلطة الإجرائية مَنوطة بمجلس الوزراء مجتمعاً. وقد يكون أقصى ما تطمَح إليه حركة أمل وبرّي بحسب المصادر عينِها، هو التنفيذ الحرفي والإصلاحي للاتفاق الذي دفعَ اللبنانيون أثماناً باهظة للحصول عليه.

وكما أنّ الرئيس فؤاد شهاب كان يدعو الطبَقة السياسية للاحتكام إلى الكتاب، ويقصد الدستور الذي كان رئاسياً، كذلك الرئيس برّي يَدعو في مجمل أطروحاته إلى التنفيذ الكامل للطائف، والعودة إلى «روح الاتفاق» التي أكّدَت على الإلغاء التدريجي للطائفية السياسية وتحرير مؤسسات الدولة من القيد المذهبي.

حزب الله من جهته، لم تصدر عنه أيّة إشارات رافضة للطائف. بل صَمتَ عن ملاحظاته على «الاتفاق» واكتفى بحضورٍ رمزيّ في مجلس النواب، بعيداً عن السلطة مهتَمّاً بالمقاومة والعمل العسكري لتحرير الجنوب. وظلَّ خارجَ السلطة رغم المغريات إلى ما بعد التحرير، وقد دخلَ أوّلُ وزير من حزب الله إلى الحكومة عام 2005، وذلك عقبَ اغتيال الرئيس رفيق الحريري والخروج السوري من لبنان.

بعد العام 2005، أطلقَ الأمين العام لحزب الله أكثر من مرّة مواقف علنية تؤكّد التزام الحزب بالطائف كاملاً. وحتى إنّه بحسَب المصادر عينِها، كان

يَخضع للابتزاز والحملات الإعلامية ويثابر على القول إنّه مع «اتّفاق الطائف».

وفي أحد خطاباته في العام 2011، طرحَ السيّد نصرالله موضوع عقد «مؤتمر تأسيسي» دون أيّ تفاصيل، وكان في ذلك الوقت يَستشرف مستقبل المنطقة ومعها لبنان. ولكنّه عاد ليسحبَ هذا المصطلح من التداول بعد الحملات الإعلامية والسياسية التي انطلقَت، ودأبَت على تخويف اللبنانيين من عملية تطوير النظام أو البحث عن آفاق جديدة حياله.

ومنذ ذلك الحين يؤكّد الحزب والأمين العام في مناسبات عديدة على التزامِهم «الطائف» مع الدعوة إلى تطبيقه كاملاً حتى لا يشعر أحد بالغُبنِ كما يَشعر أحياناً المسيحيون. هذا مع العِلم بأنّ كلّ دوَل العالم تبحَث بين الحين والآخر في تطوير نُظمِها السياسية، فلماذا يتصرّف البعض في لبنان كأنّ الفكرةَ بحَدّ ذاتها «حَرام» وممنوعة؟