أثار وصف الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله لعدد من الشخصيات بـ»شيعة السفارة الاميركية» جملة من الإستنكارات داخل الوسط السياسي اللبناني عموما وتحديدا لجهة وصفهم بـ «الاغبياء» و»العملاء» و»الخونة» وكأنّه اهدار لدمائهم على خلفيّة مواقفهم السياسيّة المناهضة بشكل كامل لسياسة «حزب الله» ونهجه وخصوصا لجهة تورّطه في الحرب السوريّة.
«عملاء»، «أغبياء» و»خونة» كلمات ردّدها نصرالله بحق «شيعة السفارة» تحمل في ابعادها تصريحاً وتهديداً مباشراً بالقتل شبيهاً بـ»التكليف الشرعي»، وما يدعم هذه الفرضيّة تهديدات بالقتل كانت وصلت الى عدد كبير من الذين اتهمهم نصرالله بالتخوين بعد ساعات قليلة على خطابه، وليتساوى في تهديده هذا مع رأس النظام السوري بشّار الأسد الذي سبق أن هدّد منذ فترة أبناء طائفته من العلويّين في حال تمنّعوا عن الوقوف الى جانبه ودعمه بالحرب التي يخوضها ضد شعبه، ويُشبه أيضاً تهديدات نظام «الملالي» في ايران للاكراد وقتلهم على الطرق واغتيال بعضهم في داخل منازلهم واعمالهم.
تقويم نصرالله لفئة من الناس من داخل بيئته المذهبيّة ووصفها بكلمات استحضرها من زمن صراعه مع إسرائيل لمُجرّد أن التقى بعض هذه المجموعة السفير الأميركي السابق في بيروت جيفري فيلتمان في وقت مضى، يفتح الباب على مصراعيه امام أمثلة أخرى تتمحور حول النقطة ذاتها تتعلّق بلقاءات رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بشكل دائم مع سفراء «الشيطان الاكبر» منذ ما قبل فيلتمان الى يومنا هذا، والسؤال هنا، هل يشمل إتهام نصرالله جميع من يلتقون سفراء الولايات المُتّحدة ام أن معيار الصيف والشتاء تحت سقف واحد ما زال العنوان الأبرز الذي ما زال حتى يومنا هذا يطبع سيرة «حزب الله؟».
والسؤال الذي يطرح نفسه: من هم «شيعة السفارة»؟. من دون التطرّق إلى الأسماء، يتبيّن أن معظم الذين تقصّدهم نصرالله بكلامه إن لم نقل جميعهم، لهم تاريخ طويل من النضال السياسي والفكري وحتّى في مقارعة العدو الإسرائيلي، ويتبيّن أيضاً أنّهم أصحاب دعوات للحوار بالكلمة لا بالرصاص، فلا أحزاب مُسلّحة تدعم مواقفهم ولا دول وسفارات تدعمهم بالمال «الطاهر» و»النظيف» وتُدرّب لهم جنوداً لإحتلال دول جارة وشقيقة. لكن هؤلاء اليوم وبفعل تهديد نصرالله لهم، تحوّلو رُبّما إلى مُلاحقين ومطلوبين من قبل «حزب الله» ومن ينتمي الى تفكيره وكل من يحمل العصب المذهبي في فكره، حتّى أصبحت هذه المجموعة كمن يحمل دمه على كفّه في سبيل كلمة حق اطلقها في وجه الطغاة الجائرين.
تحدّث نصرالله عن شيعة سفارة غضّت دولتها الطرف عن رفع حزبه من خانة المنظّمات الإرهابيّة ووضعته على ضفّة نهر آمن وتغاضت عن مشاركته في الحرب السوريّة. سفارة تتوسّل ايران «المُمانعة» دولتها بإكمال المفاوضات النوويّة وعدم عرقلتها ونسّقت مع ايران إنسحابها من العراق وتنسّق معها اليوم في ضرب الجماعات المُسلّحة فيه، وهي الدولة نفسها التي سار وزير خارجيّتها إلى جانب نظيره الإيراني محمد جواد نظيف في أزقّة «فييّنا» و»جنيف»، لكنّه لم يُحدّثنا سماحته عن سفارة إيرانيّة قتلت الشهيد المظلوم المواطن هاشم السلمان بدم بارد أمام حرمها وعلى يد أحد حُرّاسها بينما كان يُمارس حقّه الطبيعي بالتظاهر السلمي مع مجموعة سلميّة ولم يلجأ لا الى العنف ولا الى الإرهاب. نصرالله نظر بعين واحدة الى «شيعة السفارة» ويا ليته نظر اليها من باب أنّها صمّام أمان يُمكن لها ان تُساهم في انقاذ ما يمكن انقاذه قبل أن يغرق البلد كلّه في خياراته.
من الملاحظ انها المرّة الاولى التي يتطرق فيها نصرالله إلى مجموعة من المناهضين لحزبه بالإسم تحت عنوان «شيعة السفارة الأميركية» بعدما كان يمرُّ عليها في السابق مرور الكرام من دون ان يُعيرها أي اهتمام، وهذا إن دل على شيء، إنّما يدل على حجم المأزق الذي وصل اليه «حزب الله» من جرّاء تدخّله في سوريا والذي بدأ ينعكس بشكل واضح داخل بيئته وجمهوره. وكتعويض منه عن الخسارة التي يُمنى بها هناك، حاول أن يُصعّد من لهجته ضد فئة لم يستطع تطويعها طيلة السنوات الماضية، مع العلم انّ هذه الفئة لم تنقل عبوات ناسفة داخل سيّاراتها ولم تصدر بحق أي طرف منها تهمة بالعمالة لا لإسرائيل ولا لأي بلد عدو آخر. ولذلك كان على نصرالله ان يُدرك كم يحتاط فُقهاء الشيعة في مسائل الدم قبل أن يتلفّظ بمفرداته التخوينيّة.