لم تكن الصدمة الوزارية الأخيرة أكثر من رسالة واضحة ومدوّية، أطلقها رئيس الحكومة تمام سلام بعدما أنذر الوزراء، كما رؤساء الكتل النيابية، بأنه من الصعب الإستمرار في التعايش والعمل داخل حكومة تقوم على «الفيتوات» من قبل أعضائها، من دون أي استثناء. فشبح الفراغ والشلل الحكومي، وإن استبعده أكثر من طرف سياسي مشارك في حكومة «المصلحة الوطنية»، بات واقعاً بفعل تعليق عمل الحكومة وعدم تحديد أفق زمني لمعاودة اجتماعاتها. وفي قراءة سريعة لتطوّرات الأزمة الحكومية، أبدى مرجع وزاري سابق خشية ملحوظة من أن تغلّب القوى السياسية حساباتها الخاصة على المصلحة العامة، وأن يؤدي الإنقسام الحاد الذي حال دون حصول الإنتخابات الرئاسية، كما الإنتخابات النيابية، إلى تعطيل العمل الحكومي، وبالتالي امتداد الفراغ إلى كل المؤسّسات الرسمية. وأضاف أن الهزّة القاسية التي تعرّضت لها الحكومة، وإن لم تكن الأولى، فإنها كفيلة، وبفعل التحديات الأمنية، أن تودي بكل التوازنات القائمة والتسويات الضمنية المحلية، كما الإقليمية، التي أدّت إلى ولادة حكومة الرئيس تمام سلام، وإلى منحها القدرة على تحقيق إنجازات عدة إدارية وسياسية وأمنية منذ انطلاقتها، وكان أبرزها الإنجاز الأمني في طرابلس أولاً، وفي البقاع ثانياً، مروراً بالحملات الإصلاحية ومحاربة الفساد على أكثر من صعيد خلال الأشهر الماضية.
وقال المرجع الوزاري السابق نفسه، أن الآلية المتّبعة منذ شغور موقع رئاسة الجمهورية، هي موضع توافق من كل الأحزاب والكتل السياسية المكوّنة للحكومة، ولكن الدستور ينص على آلية مختلفة، وهي ما يدعو إليه الرئيس سلام منذ مدة عندما طالب الجميع بأن تتّخذ الغالبية داخل الحكومة القرارات التي لا تتطلّب توقيع رئيس الجمهورية، وأن يوقّع كافة الوزراء من دون استثناء، على القرارات أو المراسيم التي تتطلّب توقيع رئيس الجمهورية. وأوضح أن النصوص الدستورية واضحة في هذا المجال، وهي لا تشمل أية آلية تؤدي إلى تعطيل إنتاجية الحكومة، وبالتالي، إسقاطها من الداخل، وليس بفعل أي حدث طارئ سياسياً كان أم أمنياً، كما كان يتوقّع بعض الاطراف في الفترة الماضية.
من جهة أخرى، لاحظ المرجع الوزاري ذاته، أن تغيير الآلية الحكومية الذي يطالب بها رئيس الحكومة السلامية من جهة، أو بعض الوزراء من جهة أخرى، قد يؤدي إلى نتائج سلبية بالنسبة للإستحقاق الرئاسي، وهو ما لفت إليه بصراحة وزير الإعلام رمزي جريج بالأمس، عندما تحدّث عن أن ملء الفراغ الرئاسي من قبل الحكومة يدفع، وبشكل غير مباشر، إلى استمرار هذا الفراغ، وبكلمة واحدة إلى «التطبيع» مع هذا الفراغ. وأضاف أن المخاوف المطروحة من حصول هذا الأمر هي «مشروعة»، ويجب احترامها من قبل جميع مكوّنات الحكومة. لكنه استدرك موضحاً أن هذه الخشية لا يجب أن تحول دون تحقيق الإنتاجية ودفع العجلة الحكومية إلى الأمام، وذلك بهدف الإحاطة بكل التحدّيات المحيطة بالوضعين الإقتصادي والأمني بشكل خاص نتيجة الضغوط الناجمة عن الأزمة السورية وارتداداتها السلبية على الساحة المحلية.
وخلص المرجع الوزاري السابق نفسه، إلى التحذير من خطورة استمرار التجاذب داخل الحكومة، وإيصال المؤسّسة الوحيدة المنتجة إلى حافة الهاوية، ودفع البلاد نحو المجهول. معتبراً أن لجوء بعض الوزراء إلى التصرّف بشكل فردي واستفزازي وتسوية الحسابات السياسية من خلال القرارات الحكومية، أدّى إلى الوصول إلى المأزق الحالي، وأن المعالجات يجب أن تتم على مستوى القيادات الأساسية في البلاد لتغيير الواقع الحكومي الحالي.