Site icon IMLebanon

«صدمة» أمنية تأخذ الجميع إلى مكان آخر؟

السياسيون يختنقون داخلَ أزمة النظام. وأمّا المعنيون بالأمن فتنتابهم هواجس أخرى: عندما تدْخُل السياسة مأزقاً خانقاً في لبنان، يأتي مَن يُحرِّك الأمنَ فجأة ليعيدَ ترتيبَ المعطيات وخلطَ الأوراق على الساخن. والنماذج هنا لا تُحصى، قبل 2005 وبعدَها. ولذلك، هناك اليوم مخاوف من صدمة أمنية تفاجئ الجميع!

للمرّة الأولى، يلجأ العماد ميشال عون- منفرداً- إلى الشارع. ففي 23 كانون الثاني 2007، نزل إلى الشارع مدعوماً من حليفه الشيعي «حزب الله»، ومصطدِماً مع خصمه المسيحي «القوات اللبنانية».

وقد سبق ذلك بشهرَين الاعتصامُ الشهير في وسط بيروت. لكنّ النزول إلى الشارع تحوَّل في جامعة بيروت العربية صداماً مذهبياً. ولم تسقط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة إلّا بـ»جراحة أمنية» نفَّذها «حزب الله» في 7 أيار 2008.

في تلك المرحلة، كانت هناك حاجة إلى استخدام الأمن لبلوغ تسوية الدوحة. ولأنّ عون كما أيّ طرف مسيحي لم يكن يمتلك أيَّ قدرة على المبادرة أمنياً، فقد قام «حزب الله» بالجراحة الأمنية، وأنهى الوضعية السياسية السابقة، واستولد التسوية المتكاملة: إنتخاباتٌ رئاسية ونيابية وحكومةٌ جديدة.

اليومَ، هناك غموضٌ في المواقف الحقيقية لمعظم القوى.

وليس واضحاً إلى أين ستتّجه الأزمة التي يتسبَّب بها «الكباش» بين عون و»حراس الحكومة والنظام»، أيْ تيار «المستقبل» والنائب وليد جنبلاط والرئيس نبيه بري. ويعتقد معظم المتابعين أنّ المأزق الحالي بات مستعصياً، ولم تعد هناك قدرةٌ لأحد على الخروج منه، إذا أصرَّ على عدم التراجع.

فلم يعد هناك شيءٌ يخشى الرجل أن يخسره: الرئاسة طارت منه، الحكومة هي الأخيرة ولا سبيل إلى استبدالها في غياب رئيس الجمهورية، ولا انتخابات نيابية في الأفق، ولا حظّ له في قيادة الجيش. ولذلك، قد يرفع عون صوته في وجه الجميع وبلا سقف.

لكنّ البعض يعتقد أنّ «حزب الله» ليس متضرِّراً من تصعيد عون، وأنه في النهاية قادرٌ على قطف الثمار. وفي تقدير هؤلاء أنّ الكثير من القوى الداخلية، و«حزب الله» في مقدّمها، يخبّئ مواقفه الحقيقية ويتحرك خلفَ الستارة. وهناك نظرية تقول إنّ «الحزب» هو الذي يدفع عون في طريقة غير مباشرة إلى التصعيد، سعياً إلى تفجير المؤسسات كلِّها والوصول إلى المؤتمر التأسيسي.

ولذلك، بلغت المواجهة السياسية الحالية سقفاً غيرَ مسبوق، وقد لا يكون سهلاً إنهاؤها «طبيعياً». فلا عون قادر على الانتصار، ولا «حراس الحكومة والنظام». وقد لا يتراجع عون إلّا إذا فرضت عليه ذلك معطيات مفاجئة، فيؤجِّل المواجهة، على الأقل حتى مطلع أيلول.

وثمّة مَن يقول إنّ العامل الوحيد الكفيل بدفع الجميع إلى «الواقعية» في لبنان هو الأمن. فقد يؤدّي استخدام البعض ورقة الأمن تكتياً إلى أخذ أزمة النظام إلى مكانٍ آخر. وفيما تترصّد الأجهزة الأمنية خلايا «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى لمنعها من تفجير الأمن، قد تبرز عوامل أمنية أخرى.

فإذا كان عون يتحرَّك بمبادرة منه، ومن دون تغطية داخلية أو خارجية، فإنّ تحرّكه سيعاكس الإرادة الدولية بالحفاظ على الحكومة والاستقرار في لبنان. وقد يعمد بعضُ القوى الداخلية إلى الضغط أمنيّاً في مواجهة الحراك العوني، ما يدفع عون إلى التراجع، إذ إنّ التوافق الدولي- الإقليمي على الحكومة واستقرار الحدّ الأدنى هو خطّ أحمر ممنوع على أيّ طرف تهديده.

وإذا كان عون يتحرَّك بدعم ضمني من «حزب الله»، لتفجير الوضع السياسي والمؤسسات الدستورية وصولاً إلى المؤتمر التأسيسي، فإنّ هذه الحال ستمرّ حتماً بمطبّات أمنية قبل بلوغها النهايات.

لذلك، إنّ التصعيد الذي يلجأ إليه عون، بلا ضوابط، مشفوعاً بتحريكٍ للشارع في لحظة إقليمية وداخلية شديدة الحساسية، يثير الهواجس من صدمة أمنية قد تكون «مدروسة» أو «مرتَجَلة»، ربما يلجأ إليها هذا الطرف أو ذاك ضمن «عدّة الشغل» وتأخذ الجميع إلى مكان آخر… إلّا إذا «استحقَّها» عون وتراجع باكراً. وفي معظم التجارب السابقة، هو لم يتراجع من تلقاء نفسه.

لا عون قادر على الانتصار ولا «حراس الحكومة والنظام»… فهل يدخل عامل من خارج اللعبة؟