بانتظار استئناف المفاوضات المجمدة حول قانون الانتخاب مع عودة وزير الخارجية جبران باسيل من «رحلاته» الخارجية، افضت عملية التفاوض «المضنية» المستمرة منذ اشهر الى الكثير من الخلاصات «الصادمة» حيال مقاربة التيار الوطني الحر لملف يفترض ان يكون جسر عبور نحو اصلاح وتغيير للنظام الطائفي القائم، في زمن التحولات الكبرى في المنطقة..لكن جميع من كانوا جزءاً من عملية التفاوض اكتشفوا، ان «التيار البرتقالي» يدفن رأسه في الرمال ويتحرك في الداخل بمعزل عن المخاطر الجدية المحيطة بلبنان، ويرسل «رسائل» خاطئة في توقيت خاطىء حيث يعاد ترسيم الحدود الجغرافية والسياسية لدول اقليمية كبرى على مرمى «حجر» من الساحة اللبنانية…
وفي هذا السياق، فان ملاحظات «الثنائي» الشيعي على اداء وزير الخارجية جبران باسيل يتعلق بنقطة جوهرية ترتبط بالبعد الطائفي التي يتحرك من خلاله في مقاربته لكافة الامور المتصلة بشؤون الدولة وفي مقدمتها قانون الانتخابات، والغريب برأي اوساط 8آذار ان «تفاهم مارمخايل» وما تلاه من بناء للثقة بين جمهور المقاومة والتيار الوطني الحر، غير موجود في «قاموس» تحرك رئيس «التيار»، «النقلة» الوطنية النوعية الذي ارساها هذا التحالف السياسي ونجاحه في عبور مطبات داخلية وخارجية منها «قطوع» حرب تموز، وانجاز الاستحقاق الرئاسي، كان يفترض ان يكون كافيا لتجاوز «القوقعة» وتطوير العمل السياسي باتجاه التحالفات السياسية العابرة للطوائف، وليس العودة الى الانزواء في زاوية ضيقة تعيد انتاج خطاب العصبيات الذي يولد تشنجات على كافة المستويات…
وتستغرب تلك الاوساط، تراجع التيار الوطني الحر عن موافقته السابقة على قانون النسبية، والعودة مجددا الى القانون الارثوذكسي بأشكال مختلفة، مع العلم ان التيار «البرتقالي» لا يجب ان يقلق من القانون النسبي لان تحالفاته الوطنية قادرة على حفظ حصته الوازنة في مجلس النواب، خصوصا انه حقق خرقا نوعيا في الشارع المسيحي من خلال التحالف مع القوات اللبنانية، في وقت لديه حليف وازن على الضفة الاخرى، ولذلك لا داعي للانجرار وراء طروحات «معراب» التي لا تزال تحمل خطابا بعيد عن الوطنية وتحيي النزعات الطائفية…
لكن اوساط مقربة من التيار الوطني الحر تتحدث عن مخاوف مشروعة في هذا السياق، وتعطي على سبيل المثال لا الحصر الانقسام الواضح بين موقفي وزير الخارجية جبران باسيل ورئيس الحكومة سعد الحريري حول مؤتمر بروكسل للاجئين السوريين، وتقول ان الخلاف ليس سطحيا وانما عميق للغاية لان رئيس التيار الوطني الحر ينطلق من هواجس «الديموغرافيا» في مقاربة هذا الملف، وهو يريد ان يكون التوجه اللبناني ليس في الحصول على مساعدات لابقاء هؤلاء على الاراضي اللبنانية، بل ايجاد مناطق آمنة في سوريا لاعادتهم، وهو لا يمانع في فتح قنوات اتصال مع الحكومة السورية لتفعيل العودة، وهو امر يرفضه رئيس الحكومة، اما الخلاصة فسواء دفعت الدول الاوروبية الاموال ام لم تدفع، فان الاكثرية السنية الطاغية في البلاد بفعل وجود الفلسطينيين والسوريين، تزيد من قلق التيار الوطني الحر على المديين المتوسط والبعيد، وهذا ما يجعل الوزير باسيل متمسكا بقوانين انتخابية ذات بعد طائفي يعتبرها ضمانة سياسية للمسيحيين الذين تحولوا بفعل العديد من العوامل الى اقلية في البلاد…
لكن اوساط 8 آذار، تؤكد في المقابل ان لبنان بأشد الحاجة اليوم لارسال «رسالة» مفادها ان هذا التنوع الطائفي بامكانه ان يتعايش ضمن نظام سياسي يحفظ حقوق الطوائف، ولكن لا يؤسس الى فدراليات، في وقت يعاد فيها رسم مشاريع تقسيمية شديدة الخطورة في المنطقة، بدءاً من نزعة الاكراد في سوريا والعراق لفرض حكم ذاتي، تمهيدا للانفصال، فيما تتعرض الخريطة السورية الى عملية «ضم وفرز» شديدة الخطورة والتعقيد… ولا يتوقف الامر عند هذه المخاطر لان ما يحصل على «ضفاف» القضية الفلسطينية يطرح اكثر من «علامة استفهام» ستدخل المنطقة في تحولات دراماتيكية غير مسبوقة، لن يكون لبنان بعيدا عنها..
وبحسب اوساط ديبلوماسية، فان ما يدبر في «الكواليس» هو اعادة تفعيل او «احياء» نتائج القمة السرية التي عقدت في شباط 2016 وشارك فيها، اضافة إلى رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني..وفي هذا السياق جاء تقديم زيارة الاخير إلى واشنطن من بداية شهر نيسان الحالي الى يوم امس… الثابت حتى الان ان ادارة ترامب لديها مقاربة بشأن عملية التسوية، واللقاءات المتتالية مع الرئيس المصري والملك عبدالله والرئيس الفلسطيني محمود عباس تهدف الى صياغة هذه المبادرة لاعادة التفاوض واستئناف محادثات التسوية على ان تقود القاهرة قاطرة «التطبيع» بين دول «الاعتدال العربي» واسرائيل.. فالسيسي مهتم بلعب دور عراب التقارب العربي ـ الإسرائيلي عبر إعادة تسويق المبادرة العربية مع تعديلات اقترحها المندوب الاميركي الذي حضر القمة العربية.
هذا الكلام ليس جديدا وهو احياء لما سمي قبل فترة مبادرة سلام اقليمية وفيها استعداد من قبل رئيس الحكومة الاسرائيلية لحل وسط اقليمي على أساس حل الدولتين على ان يتزامن مع مؤتمر اقليمي للسلام تحت ضرة دول الخليج وعلى رأسها السعودية، والامارات، هذا المؤتمر الإقليمي للسلام سيخرج باعتراف بالدولة اليهودية، وهنا مكمن الخطورة، وسيشمل ايضا توافقا على الترتيبات الأمنية الاقليمية التي تريدها اسرائيل..وفقا للمعلومات اكد الرئيس المصري لترامب انه يريد المضي قدما في العملية الاقليمية، ومن المفترض ان يكون الملك عبدالله قد ابلغ الرئيس الاميركي «الرسالة» نفسها، كما ان وزير الخارجية السعودية عادل جبير ابلغ دبلوماسيين أميركيين إنه اذا اتفقت اسرائيل والفلسطينيين على مبادىء ادارة المفاوضات، واذا حدث تقدم فإن السعودية والدول السنية ستبدأ بالتطبيع مع اسرائيل، وهي مستعدة لعقد مؤتمر دولي حول السلام…
هذه الاستحقاقات الداهمة يجب ان تكون حافزا لمختلف القوى السياسية اللبنانية للعمل سريعا على تحصين الساحة الداخلية لمواجهة التداعيات المرتقبة، الخوف المسيحي، بحسب اوساط 8 آذار، لا يجب ان يتحول الى «فوبيا» تتحول معها الغرائز الى محرك للسياسات لان العقل الرشيد مطلوب في المحن الكبرى، والمنطقة تمر بواحدة من اسوء تلك المراحل واكثرها خطورة، ولا يزال «الثنائي الشيعي» يراهن على حكمة رئيس الجمهورية ميشال عون لاعطاء الاستحقاق بعده الوطني…