المطلوب وقف “هرطقة” الدعم التي تخلق بنية اقتصادية بديلة غير منظمة
وكأن الانهيار الحاصل لم يكفِ لتعطيل القطاع السياحي، لتأتي أزمة شح المازوت وتقضي عليه نهائياً. فالمشهد الذي يعيشه لبنان مع شح المازوت يزيد الأوضاع سوءاً. حيث تتسع رقعة العتمة يوماً بعد آخر، باسطة الخراب على مساحة الوطن. المراكز التجارية الكبيرة أو ما يعرف بـ”المولات” كانت الأكثر تأثراً بانقطاع المادة والاضطرار إلى شرائها من السوق السوداء. فاقفل بعضها جزئياً، والبعض الآخر مرحلياً والكل يراجع خيارته بالبقاء أو الانسحاب من السوق اللبنانية.
عندما عاودت “المولات” فتح أبوابها في شهر آذار، بعد إقفال قسري بسبب الجائحة كانت نسبة الخسائر كبيرة. وكان من الصعب أن يتوضح مستقبل الحركة فيها إلا بعد مراقبة ما ستفرضه الوقائع المعيشية والصحية. وفي حديث مع أحد المسؤولين في مجمع ABC MALL يقول إنهم فقدوا العديد من المتاجر بعد استئناف العمل مطلع العام الحالي. حيث بلغت نسبة الاقفالات في المجمع من مجمل المساحة المؤجرة حوالى 10 في المئة، بعدما وصلت نسبة الخسائر الى أكثر من 75 بالمئة. مضيفاً أن “الحركة التجارية للمولات ترتبط بالأساس بوضع البلد بشكل عام، ولا سيما الوضع السياسي، الاقتصادي والصحي. حيث أن الاستقرار السياسي ينعكس على الحركة الاقتصادية التي تطال بشكل مباشر النشاط التجاري في المولات. هذا بالإضافة الى وباء الكورونا وما نتج عنه من شلل إقتصادي لم يسبق له مثيل، ولا حتى أيام الحروب التي أصابت البلد في الماضي”.
التأقلم مع الوضع
منذ بدء الازمة المالية والمولات تواجه صعوبة في وضع أي خطة مستقبلية. فتطور الأحداث وسرعة انهيار الليرة مقابل الدولار، فشّلا كل خطة اقتصادية تم بحثها ومناقشتها في هذا المجال. “وجاءت مشكلة شح المازوت لتزيد الوضع تعقيداً”، يقول رئيس مجلس إدارة شركة أدميك وستي مول ميشال أبشي، ما دفع بالمولات الى اتخاذ القرارات التالية:
– تخفيف ساعات العمل. حيث أصبح دوام عمل المولات من الساعة الحادية عشرة صباحاً حتى الساعة التاسعة مساءً.
– تخفيف ساعات تشغيل المكيف، وذلك حسب قدرة كل مجمع على ذلك.
– محاولة إدارة المولات مساندة وتحفيز المستثمرين وخاصة المطاعم والسوبرماركت، من خلال تأمين الكهرباء قدر الامكان للحفاظ على منتجاتهم وحماية الأمن الغذائي. وهذه ميزة لا يمكن أن تتوفر لدى المطاعم والسوبرماركت الموجودة خارج المولات.
فعلى سبيل المثال أعلنت إدارة ABC تعديل أوقات عملها نتيجة أزمة الكهرباء. فهي تفتح محلات البيع بالتجزئة والمطاعم الداخلية من الساعة الحادية عشرة صباحاً حتى الساعة التاسعة مساءً، ودور السينما والمطاعم الخارجية من الحادية عشرة صباحاً حتى الساعة الحادية عشرة مساءً. أما بخصوص مجمع city center فهو يفتح أبوابه من الساعة الحادية عشرة صباحاً حتى الساعة التاسعة مساءً.
الرواد شبه موجودين… والخسائر كبيرة
ويرى أبشي أن “زحمة السير على الأوتوسترادات في المدينة بسبب طوابير السيارات المتوقفة أمام محطات البنزين، بالاضافة إلى تقنين الكهرباء في المولات أثرا بشكل سلبي على عملها، بحيث أصبحت شبة خالية من الرواد. هذا الى جانب تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين وتركيزهم على تأمين المواد الأساسية. ما ينعكس بشكل سلبي على الاقتصاد. أما بالنسبة الى التأثير المباشر على المتاجر والمطاعم، فهو وجود ثلاثة أسعار للمازوت ما يكبد خسائر كبيرة، فقبل أزمة المحروقات كان سعر الـ 1 كيلوواط ساعة 550 ليرة، أما اليوم أصبح يقدر بـ 2400 أو 2500 ليرة، أي 5 أضعاف عما كان سابقاً، وعلى الرغم من تخفيف ساعات العمل، تبقى فاتورة الكهرباء باهظة جداً، ونحن أمام حل من الإثنين: إما أن تقفل المتاجر أبوابها، أو أن تتحمل الخسائر على عاتقها وتحاول الوقوف على قدميها لضمان الاستمرارية”.
الأزمة تهدد العلامات التجارية
هناك تأثير سلبي على العلامات التجارية أو ما يعرف بـ”الماركات”، فأغلبها تشغل مساحات واسعة في المولات، يقول رئيس “الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز” يحيى قصعة، “وقد أدت الأزمة الاقتصادية بشكل عام وأزمة المازوت بشكل خاص الى تراجع نسبة البيع وبالتالي نسبة الربح، ما ينعكس على رواتب الموظفين. وقد تؤدي هذه الأزمة الى خسارة قيمة العلامات ومظهرها في الأسواق وتضطرها إلى الرحيل”.
“هرطقة” اقتصادية
لم تعد الأمور مسألة أيام وحلول موقتة، “إن لم يتم إيجاد حل سريع وفعّال للأزمة، ستكون العتمة أمراً عادياً في لبنان. ومعها سيتوقف الانترنت والهاتف والمستشفيات وكل الخدمات”، يقول قصعة. ومن المستحيل بعد كل التطور الذي وصلنا له أن نعيش في القرن الـ21 من دون كهرباء. فالحل بنظر قصعة يكون “عن طريق وقف كل سياسات الدعم والـ”هرطقة” التي بدورها تخلق بنية اقتصادية بديلة غير منظمة وتفتح المجال لخلق سوق عشوائي وفوضوي، يستفيد من سياسة الدعم قسم قليل من الشعب وتتضرر بصورة مباشرة كل القطاعات الانتاجية والخدماتية”.
الوضع مأسوي بامتياز. والرهان على السياحة للتعويض قليلاً عن الخسائر الفادحة التي أرهقت الاقتصاد، فشل. فتلقت المؤسسات السياحية ضربة بسبب انقطاع الكهرباء عنها، ما أجبر قسماً كبيراً منها الى الإقفال والتوقف عن العمل. ويأتي ذلك مع ارتفاع حدة أزمة المحروقات واستمرار المماطلة والخلافات بين المسؤولين على تشكيل حكومة انقاذية يعول عليها لوقف الانهيار والبدء بالاصلاحات.