كل يوم يمر يفقد فيه لبنان المزيد من مقومات الحياة، فمن التقنين القاسي الى انطفاء الحياة فيه، الى إقفال المحلات التجارية تباعاً، الى إقفال المطاعم تباعاً مع كل ما يترتّب عن ذلك من ارتفاع في نسَب البطالة. وفيما كانت السوبرماركت القطاع الوحيد «الشَغّال» حتى اليوم، بات التبضّع الهستيري منها يفرغ رفوفها، حتى لجأ البعض الى تحديد الكميات المسموحة إفساحاً في المجال امام توزيع عادل للغذاء.
Brand for less, Oshkosh b’gosh, Marie France, Mikesport, LcWaikiki, Madame Coco, Etam, Undiz, Jennifer, Tape A L’Oeil… هي مجموعة من المحلات التجارية أقفلت أبوابها أمس في لبنان حتى إشعار آخر او ستقفلها في 6 الجاري، لتضاف الى لائحة المحلات التي سبق ان أعلنت انسحابها من السوق اللبناني. والمؤسف انّ هذه اللائحة ستطول في ظل غياب أي إجراءات تلجم التدهور الدراماتيكي الذي يصيب الحياة الاقتصادية اللبنانية.
عَزت إدارات هذه المحلات التجارية الاقفال، وفق رسائل اعتذار وجّهتها الى زبائنها أمس، الى الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر فيها لبنان وبهدف حماية ثقة زبائنها وتجنّباً لزيادة الأسعار بشكل جنوني. والأسوأ انّ لائحة الاقفالات هذه ليست نهائية، بل ستليها لائحة أخرى واللائحة تطول في بلد تفقد فيه كل مقومات الحياة. وتزامناً مع هذه الاقفالات، يتحرّك عدّاد البطالة صعوداً ليشمل كل القطاعات وكل الاعمار، ليقضي بطريقه على الطبقة المتوسطة، المحرّك الأساسي للقطاعات.
وفي السياق، يقول رئيس الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز يحيى قصعة انّ نموذج العمل الذي كان سائداً في السابق لم يعد يصلح لا سيما في مجال الاستيراد، وهذا ما يفسّر إعلان غالبية العلامات التجارية إقفال أبوابها تحت إشعار آخر. ورأى انّ هذا الاقفال، حتى ولو قيل انه مؤقت بالنسبة إلينا، هو بطالة ومزيد من الفقر، على امل ان تتبلور الأمور ويُعاد فتح هذه المحلات التجارية، وذلك بعد ان تثبت الأمور او يثبت سعر الصرف على الأقل.
وقال لـ«الجمهورية»: بالنسبة للتاجر إنّ البيع اليوم بات خسارة، لذا هناك توجّه عام نحو الاقفال المؤقت، لكن حتى لو عاوَدت هذه المحلات فتح أبوابها فإنها لن تفتح كل فروعها، وبدلاً من 10 فروع ربما تفتح 6، واذا اتجهت الأوضاع نحو الأسوأ فبدلاً من 6 فروع ستفتح 2، لا بل انّ الاتجاه في المرحلة المقبلة سيكون نحو الاعتماد أكثر على e-commerce، أي البيع عبر الاونلاين للتخفيف من المصاريف، وللأسف انّ هذا التوجّه يتطلّب موظفين أقل. ولفت الى انّ عدد العاملين في القطاع مقدّر بنحو 100 الف عامل، ونحو 50% منهم باتوا في المنازل، والرقم متجه نحو الارتفاع خصوصاً مع موجة الاقفالات الجديدة.
وتابع: لقد تحوّل البيع بالنسبة الى التاجر الى خسارة، فهو يخسر في كل يوم عمل ما لا يقل عن 10 الى 20 في المئة من قيمة مبيعاته أو رأسماله، لذا هو يفضّل ألا يبيع ويحتفظ بالبضاعة ويقفل متجره ريثما تتعدّل الأسعار.
ورداً على سؤال، قال قصعة انه في الاجتماع الأخير لمجلس إدارة جمعية تراخيص الامتياز حاوَلنا ضَخ الإيجابية قدر المستطاع، وناشَدنا الشركات بأن تصمد وتحافظ على استمرارية العمل قدر الإمكان، لكن للأسف فإنّ نحو 65% من العلامات التجارية العالمية تتجه نحو الاقفال خصوصاً انّ الانهيار في هذ القطاع يتسارَع. وقال: انّ كل الشركات في قطاع الفرانشايز ستحاول مقاومة الاقفال التام والاتجاه أكثر نحو الاغلاق المؤقت لسبب بسيط، هو انّ أصحاب العلامات التجارية تكبّدوا مبالغ طائلة للاستثمار في اسم العلامة التجارية والترويج لها، لذا من الصعب القبول بالاستسلام والاستغناء عن هذا الاستثمار بسهولة. كل ما نطلبه اليوم هو الاستقرار لتوفير الأرضية المناسبة لإعادة الانطلاق مجدداً، لكن اذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه وطال أمَد الأزمة فإنّ الأمور ستتجه نحو الأسوأ.
وكشف انّ عدداً كبيراً من أصحاب العلامات التجارية اتخذ قراراً بعدم شراء بضاعة جديدة بعدما تخطى سعر الدولار الـ 7000 ليرة، في بادرة منهم لخفض الطلب على الدولار. لكن تبيّن لاحقاً انّ الدولار في اتجاه تصاعدي بغضّ النظر عن طلب التجّار، وانّ أسعار الدولار الجديدة تنطلق أولاً من شتورا وصور. وانتقد توجّه وزارة الاقتصاد الى رفع عدد السلع المدعومة الى 200 سلعة وتركيزها على دعم استيراد المنتجات الغذائية من دون غيرها، بينما لم تتمكن وزارة الصناعة حتى الآن من تأمين الدولار المدعوم للصناعي لكي يُنتج، علماً انّ الشروط المطلوبة لدعم الصناعي هي شبه تعجيزية.
وأسِف قصعة لأنه رغم كل هذه المصاعب التي نواجهها والاقفالات لم تتحرك الحكومة حتى الآن، للشروع بخطة اقتصادية شاملة توضِح الى أين نتجه وماذا ينتظرنا؟ للأسف لدينا قطاع إنتاجي قوي لكن ليس لدينا مقومات للإنتاج ولا دولارات لشراء المواد الأولية.
السوبرماركت
رغم انّ المصيبة تجمع هذين القطاعين، الّا انّ المشهد في السوبرماركت يختلف عن الصحراء التي تعيشها المحلات التجارية لأنّ الأولوية اليوم لشراء المنتجات الغذائية التي تتسابَق أسعارها مع ارتفاع سعر الدولار، ففي كل يوم سعر مختلف ما يدفع بالمواطنين الى التسابق على التخزين والذي انعكس رفوفاً وبرادات فارغة في بعض السوبرماركتات، ما أجبَر بعضها الى تحديد كمية الشراء من كل صنف، او الى الاقفال باكراً. فماذا يحصل؟ وهل نحن على شفير المجاعة فعلاً؟
يصف نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد لـ«الجمهورية» الوضع بالعاطل جداً، فالمواطنون يتهافتون للشراء ويخزّنون من دون تفكير، حتى ما عاد باستطاعتنا مجاراة الطلب المرتفع. نحن في مشكلة كبيرة، فمن جهة لم يعد بمقدورنا تلبية حاجات المواطنين الذين يتهافتون بشكل غير مسبوق على شراء المنتجات، ومن جهة أخرى لم يعد بمقدورنا ان نغطّي كل النقص كما في السابق لأنّ بعض الأصناف ما عاد متوفراً.
وعزا الازدحام في السوبرماركات الى توجّه المستهلكين نحو التخزين قدر المستطاع خشية ارتفاع الأسعار مع ارتفاع أسعار الدولار المتواصل. وقال: انّ هذا الاقبال الكثيف يسجّل خسارة يومية للتجار نتيجة الارتفاع المتواصل للدولار، فكل ما نَجنيه اليوم لم يعد يساوي شيئاً في اليوم التالي، وهذه حالنا جميعاً ولا نعرف من منّا سيتمكّن من الصمود حتى النهاية.
وعن جديد السلع المدعومة، قال: إجتمعنا مؤخراً مع وزير الاقتصاد الذي أبلغنا انّ هناك توجّهاً لدعم 200 سلعة إضافية، الا انّ هذا القرار بانتظار توفّر الدعم المطلوب من مصرف لبنان، لكن يبدو انّ هذا التوجه لن يكون في القريب العاجل. ولفت الى انه كلما أسرعت الحكومة بهذا التوجّه كلما توفّرت بضاعة أكثر وكلما تراجعت أسعارها. فوسط هذا الغلاء لم نعد قادرين على شراء بضاعة، لا بل هناك نقص كبير، والمخزون يتراجع لأنّ الاستيراد بات صعباً في ظل غياب الدولار.
ولفت الى انه رغم بدء عمل المنصة الإلكترونية، لم يتمكن التجار من شراء الدولار عبرها، وإذا تمكن أحدهم فلا يمكنه شراء أكثر من 5% من حاجته، ما يعني انّ التاجر سيضطر الى شراء المبلغ المتبقي من السوق السوداء حيث قارب سعر الدولار الـ10 آلاف ليرة، اذا وُجِد.