تسعى الأجهزة الأمنية الغربية جاهدة للتنسيق مع بعضها البعض في الحرب على المتطرفين٬ ويمكن لهذا التقصير في التنسيق المتبادل أن يسمح للإرهابيين بالنجاح في القيام بعمليات إرهابية في دول هذه الأجهزة. ويحذر خبراء مطلعون على هذه المسألة من أن عدم الرغبة في تبادل المعلومات الأمنية حول المجموعات المتطرفة مثل تنظيم داعش٬ إنما يقوض جهود الغرب لمكافحة إرهاب «داعش» داخل دوله وعلى الخطوط الأمامية في الشرق الأوسط.
وكان مسؤولون غربيون كبار اعترفوا علًنا في الآونة الأخيرة٬ وفي عدة مناسبات٬ بأن التعاون الدولي في الحرب ضد الإرهاب ليس كما هو مفروض.
ففي حين يسير التعاون على الجبهة العسكرية بشكل سلس (الحرب على الأرض والغارات الجوية) فإن وكالات الاستخبارات تلعب لعبة مختلفة تماًما. إن عدم القدرة٬ وفي بعض الحالات التردد في المشاركة في المعلومات حول هجمات محتملة أو أشخاص مشتبه بهم محتملين هو من القضايا الرئيسية التي يجب معالجتها إذا كان الغرب يريد أن يتفوق على «داعش»٬ كما يقول مسؤول أمني غربي.
منذ أشهر تبذل جهود لإنشاء آلية فعالة للمشاركة في المعلومات بين عدة وكالات أمنية. لكن الذين يحاولون العمل من أجل التعاون إنما يقومون بذلك في جو مشحون عاطفًيا٬ وفي ظل مناخ من الشكوك بين الدول الغربية والأجهزة الأمنية التابعة لها.
يقول محدثي: إن تقاسم المعلومات الحساسة هو خطوة غير طبيعية بالنسبة لأي جهاز أمني. فأوروبا تتقاسم بالفعل المعلومات الأمنية حول عدد من القضايا٬ لكن مقاتلة «داعش» تبدو مشكلة معقدة وتظل تتنقل من مكتب إلى آخر.
الصحافة نشرت تقارير مطولة عن الجهود الغربية لاختراق «داعش» إلكترونًيا٬ وقد استفاضت صحيفة «نيويورك تايمز» بالشرح. وفي حين لم تثبت بعد كفاءة الحرب الإلكترونية٬ فمما لا شك فيه أن تسريبات جون سنودون وطرق الحماية الرقمية التي تلتها٬ شلّت وكالات الاستخبارات في العالم. فكثيرون في كل مكان صارت لديهم آلات جاهزة وسهلة الاستعمال تساعد على حمايتهم ضد الكثير من أساليب جمع المعلومات الاستخباراتية الإلكترونية عنهم٬ وكما أن الإنسان العادي لديه كل هذه الوسائل٬ فإن الإرهابيين أيًضا يتمتعون بحماية ذاتية لجهة هذا الأمر.
أدى هذا٬ حسب محدثي المسؤول الأمني الغربي٬ بالكثير من الأجهزة الأمنية إلى العودة إلى أساليب المدرسة القديمة لجمع المعلومات الأمنية عن طريق عملاء أو جواسيس أو مخبرين٬ وحالة جمع المعلومات عن «داعش» واحدة من أبرز الأمثلة حول استخدام العملاء.
في السنوات الأخيرة٬ جندت عدة دول غربية عملاء لها وأرسلتهم للانضمام إلى «داعش»٬ على أمل التقدم على هذا التنظيم من خلال اختراقه. وإلى جانب جمع معلومات تقنية عسكرية٬ فإن التركيز هو على اختراق معاقل «داعش» المختلفة في سوريا والعراق٬ حيث يتم التخطيط لعمليات إرهابية تستهدف مراكز وتجمعات غربية.
وما بدأ بسبب الضرورة الحاجة لاستعمال الناس بدل الأجهزة ثُبت نجاحه على الأقل فيما يتعلق بـ«داعش»؛ إذ بسبب هيكلية «داعش» المتعددة الانتماءات٬ فإن اللجوء إلى أناس من دول مختلفة لا يعرفون بعضهم البعض جيًدا٬ هو أسهل للغربي أو للعملاء الغربيين من اختراق التنظيم٬ وكسب ثقة قادته٬ وفي الوقت المحدد يسربون التقارير إلى الأوطان التي جاءوا منها.
يخبرني محدثي: قد لا نعرف بالضبط عدد العملاء الذين اخترقوا التنظيم٬ لكن من السهل رسم تعريف لهم: إنهم من المسلمين٬ أو على الأقل يأتون من عائلات مسلمة٬ يمثلون الجيل الثاني أو الثالث في أوروبا لعائلات مهاجرة٬ استوعب أفرادها الثقافة الأوروبية بشكل جيد. من جهة أخرى٬ فإن تعاليم الإسلام ليست غريبة عليهم٬ وهم يعتزون ويفتخرون بدينهم. يضيف: في الواقع٬ فإن إحساسهم بالاعتزاز وبالفخر لانتمائهم إلى الإسلام هو الذي يؤجج أعمالهم٬ إنهم راغبون في استعادة إدراك وتفسير الإسلام الحقيقي الذي لا يدعو إلى الدمار والقتل. ونصل إلى الشعور المزدوج بالانتماء٬ فهم يشعرون بأنهم في بيوتهم إن كانوا في أوروبا أو في سوريا أو في العراق٬ وهذه هي قوتهم في نظر الوكالات الاستخباراتية٬ وأيًضا في نظر «داعش»٬ الذي يعيد إرسالهم للموت في عمليات إرهابية في قلب أوروبا. هذه القدرات عندما تدخل أراضي «داعش» تصبح قيمة للغاية٬ وتعتبر التقارير التي يرسلها هؤلاء العملاء «درر الاستخبارات»٬ وبمجرد وصولهاُتدرس كأولوية قصوى. لهذا٬ فإنها تصنف في أعلى المراتب الحساسة مما يجعل من الصعب إشراك أطراف أخرى بها٬ حتى وإن كانت أحياًنا داخل الوكالة ذاتها.
يشرح محدثي: رغم أن هناك الكثير لكسبه من خلال تبادل معلومات أمنية بالغة الحساسية مع بلدان أخرى من نفس الاتجاه٬ هناك بالطبع الكثير من الخسائر٬ لأنه بمجرد تقاسم التفاصيل عن هجمات ستحدث٬ يمكن وبشكل غير مقصود كشف معلومات عن «مصدرك» في الداخل. ويضيف محدثي٬ أن مصدًرا أمنًيا كبيًرا٬ اعترف بأن أحد هؤلاء العملاء أعدمه «داعش» علًنا بعدما أعطى معلومات حساسة جًدا من قلب التنظيم. هذا الحادث وحوادث أخرى مماثلة٬ أرخت بظلال ثقيلة على محاولات تبادل هذا النوع من المعلومات الأمنية. يقول محدثي: إنه عمل متوازن دقيق جًدا٬ لكن على أجهزة الاستخبارات الغربية وحلفائها أداءه. ويجب عليهم القيام به وبسرعة.
ويبدو أن السباق لجمع المعلومات الاستخباراتية٬ بهدف إحباط تفجير على مستوى مسرح «باتاكلان»٬ أو تفجير كالذي تعرض له مطار بروكسل٬ دفع الكثير من الدول إلى إرسال المزيد والمزيد من الأشخاص إلى مناطق «داعش» في الرقة والعراق. لكن٬ يقول محدثي٬ الخطر يكمن في هذه «الزحمة» المتزايدة لجمع المعلومات٬ لأن تدفق العاملين إلى قلب تنظيم داعش٬ مع عدم وجود توجه مشترك ولا معرفة لأحدهم بوجود الآخر٬ يمكن أن يضع الكثيرين منهم في مواجهة خطر كبير٬ إذ يمكن لتقاريرهم أن تتضمن معلومات عن عميل آخر مطلوب منه تصرف محدد٬ وبذلك يسببون الضرر لبعضهم البعض٬ إذ من دون قصد يصورون صديًقا وكأنه عدو.
من ناحية أخرى٬ ومع تعرضه لغارات جوية وهجمات برية داخل العراق وسوريا٬ يعيش «داعش» حسب التقارير حالة من الهستيريا بسبب «عملاء» يدلون قوات التحالف على تنقلات كبار قادته؛ إذ بعد أن قتلت طائرة «درون» من دون طيار في شهر مارس (آذار) الماضي التونسي أبو هيجاء أعدم «داعش» 36 من أعضائه لشكه في أنهم مخبرون. وقال المسؤولون الأميركيون إنهم قتلوا عدًدا من قادة «داعش» الكبار خلال الأشهر الماضية. وحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» فإن بعض مقاتلي داعش» بدأوا يزودون قوات التحالف بمعلومات عن أهداف أو تحركات مسؤولي التنظيم الكبار٬ لأنهم بحاجة إلى المال بعدما خفض التنظيم رواتبهم كثيًرا إثر تعرض
منشآت النفط في سوريا لغارات جوية وبعدما أغلقت تركيا طرق إمداداته.
كذلك بلغ الأمر بـ«داعش» وهو يبحث عن الجواسيس الأشباح في الداخل٬ لقتل أشخاص ليسوا من صفوفه٬ كما حصل مع عبد الهادي عيسى في «طبقة» بالقرب من الرقة؛ إذ اتهم بالتجسس واقتيد إلى الساحة العامة٬ حيث طعنه مقنع بسكين في قلبه ثم أطلق الرصاص على رأسه٬ ونشر «داعش» عمليته الإجرامية على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعتقد التنظيم أنه تحت الضغوط العسكرية٬ باستطاعته قتال «أشباح» الداخل ونشر خلاياه الإرهابية للانتقام في الخارج. هناك زحمة عملاء لدى «داعش»٬ إنما هؤلاء مفككون ولا رابط بينهم٬ لذلك يقول محدثي٬ صحيح أن الوضع يمكن وصفه باللزج٬ لكن الغرب لا يستطيع التجاهل لوقت أطول. هناك حاجة ضرورية للتنسيق وتبادل المعلومات بين كل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وعلى كل الجبهات بما في ذلك الأكثر حساسية.
في هذه اللحظة يمكن أن يكون هذا التردد هو الذي يقف ما بين الحلفاء والقدرة على منع أي عملية إرهابية جديدة!