IMLebanon

شورتر لـ«الجمهورية»: ربحنا باستثمارنا في الجيش اللبناني… ونرفض التوطين

 

يَختصر السفير البريطاني في لبنان هيوغو شورتر إنجازات المملكة المتحدة في كتيّبٍ صغير قدّمه إلينا قبل البدء بحديثه لـ«الجمهورية»، لافتاً إلى أنّ هذا الكتيّب الذي أعدَّه يُلخّص المشاريع والاستثمارات التي نفّذتها المملكة وقدّمتها إلى لبنان، وسنتابعها حتى سنة 2020. ويصِف العلاقات بين لبنان وبريطانيا بأنّها «قوية وفي وضعٍ جيّد»، مشدّداً على أنّ بلاده حقَّقت إنجازات مهمّة في لبنان، وهي لا تزال تعمل على مشاريع كثيرة للّبنانيين الذين تعتبرهم شركاءَها، إذ أنها ساعدت لبنان في أوضاع صعبة مرّت عليه سواء من خلال تأثير الحرب السورية أو الأهلية، أو من خلال مساعدته حاليّاً في مواجهة «داعش»، وهي بالتالي تستثمر في لبنان ومشاريعُها كبيرة له ومعه.

يلفت شورتر إلى أنّ المملكة ساعدت لبنان في التعامل مع مليون ونصف مليون لاجئ سوري على أرضه، مؤكداً رفضها مبدأ توطينهم في لبنان، ومؤيداً ضرورة عودتهم الآمنة وليس المتسرّعة الى سوريا، إذ لن يتحقق أمنها وأمنهم واستقرارهم عند العودة إلّا بعد انتهاء نظام الأسد الذي يبقى السبب الرئيسي لنزوحهم.

ما هي المشاريع التي تدعم من خلالها المملكة المتحدة لبنان غير دعمِها لمؤسسة الجيش؟

– المشاريع متعدّدة، وأبرزُها في مجال التربية، حيث كنّا أوّل المتطوعين والمساهمين، فتعاوَنّا مع وزير التربية في تحديث برامج تربوية للمدارس الرسمية التي قدّمناها لتعليم اللاجئين السوريين، وقد استفاد منها أيضاً التلامذة اللبنانيون.

وأهمية هذا التحديث أنَّه يَصلح ليس فقط للوضع الراهن بل أيضاً للمستقبل، لأنّه يتمتّع بنوعية وبشفافية عالية ويتميّز بغنى في محتواه. وهذه المنهجية في العمل تعكس فلسفتنا لِما نسعى للقيام به في لبنان أو ما نريد إنجازه، أَلا وهو العمل المؤسساتي.

كيف تُقيّمون برنامج الشراكة مع الجيش اللبناني؟ وهل ساهم دعمكم في تحقيق النصر في معركة «فجر الجرود»؟

– إنّ هذا النصر يستحقّه الجيش اللبناني وأفراده وقد أنجزوه ببطولة، وهذه حقيقة، وذلك من خلال توَلّيه بجدارة مراقبة الحدود والقيام بالعمليات العسكرية المدروسة والسيطرة عليها، وهذا ما فعله دائماً في أيام الصيف والشتاء، عندما حرصَ على إبقاء الأعلام اللبنانية ثابتة ومغروزة على الحدود دائماً وفي أوقات لم تكن فيها الدولة موجودة هناك.

أمّا بريطانيا ومعها بعض الدول الداعمة، خصوصاً الولايات المتحدة، فقد ركزنا على تجهيز الجيش، وعمِلنا بجدّية وجهد لتجهيز فوج الحدود البرّية الرابع، كما جهّزنا وقدّمنا معدّات خاصة إلى قوات خاصة من معدّات الاتصالات والدروع الواقية، وكذلك قدّمَت الولايات المتحدة شيئاً من هذا القبيل إضافةً الى الاسلحة، وهكذا أصبح لدى لبنان جيش بكامل الجهوزية وبتقنيات عالية، لكن من المهم القول إنّ الجيوش ليست فقط في التجهيزات العسكرية، إنّما أيضاً في العناصر والعسكر.

ومشروعنا هو الاستثمار في تدريب 11 ألف جندي حتى سنة 2019، إضافةً إلى تقديم تدريبات خاصة من قبَل متخصّصين لوحداتٍ متعددة من الجيش، وهذا أمر تفعله بعض الدول الأخرى أيضاً، لذلك ونتيجةً لكلّ تلك العوامل مجتمعةً كان النصر حليفَ الجيش اللبناني، كما أنّ هذا الجيش حقّقَ تقدّماً كبيراً في السنوات العشر الأخيرة وأصبح تصنيفه عالياً في المنطقة تجهيزاً وميداناً، حتى إنّنا نتعلّم منه.

ومثالاً على ذلك، التحق أكثر من 150 ضابطاً بالكلّيات والمدارس الحربية في بريطانيا مِثل ساندهرست وليمبستين، وبعضُهم من الوحدات القتالية الخاصة عادوا إلى بريطانيا ليشاركوا تجاربهم ويقولوا «هكذا نحارب «داعش»، وهكذا نتعامل مع الحروب»، لذلك أقول إنّ علاقتنا مع لبنان هي علاقة شراكة، نعطي ونعلّم ونأخذ من لبنان أيضاً ونتعلم.

وفي الخلاصة أقول: جميعنا ربحنا التحدّي باستثمارنا في الجيش اللبناني، وبريطانيا لم تكن لتستثمرَ في هذا الجيش لو لم ترَ فيه جهوزيةً وحِرفية عالية، وفي عناصره مؤهّلات لربح التحدّي.

هذا يعني أنّ تجهيز فوج الحدود البرّية الرابع تمَّ بالشكل الذي كنتم ترغبونه؟ هل الأمر كذلك بالنسبة إلى عملكم في الأبراج الحدودية؟ أين أصبحت؟ وهل واجهتكم عراقيل؟

– نعم يمكنك قول ذلك، ونحن اليوم نساعد الجيش في بناء الأبراج للسيطرة على الحدود مع سوريا، ومستمرّون في هذا المشروع الذي وصَل الى تأمين ثمانين في المئة من الحدود اللبنانية – السورية رغم بعض الصعوبات التي واجهتنا.

إذ لم تكن سلطة الدولة موجودة سابقاً في بعض المناطق، فالجميع يَعلم دقّة الوضع السياسي على الحدود، وهي صعوبات سياسية خاصة في طريقة تموضُعِ الجيش اللبناني على الحدود، وهنا التحدّي كان كبيراً، لذلك بنَينا من الأبراج بقدر استطاعنا.

ومنذ فترة جُلنا على مواقع الأفواج الحدودية البرّية وزرنا اثنين من الأبراج الحدودية الجديدة لفوج الحدود البرّية الرابع في منطقة الطفيل بعدما انضمَّت ألمانيا الى المشروع، وذلك من خلال تقديم 1.3 مليون جنيه استرليني، وهي طبعاً مفيدة للمشروع، فيما بلغت مساهمتنا 61.5 مليون جنيه استرليني، وأيضاً قدّمت الولايات المتحدة الملايين، دون أن ننسى مساهمة الدولة الكندية مشكورةً.

وفي الحقيقة أنّ كلّ بلد ساهم على طريقته لكنّ القيادة تبقى بالتأكيد للجيش اللبناني وبريطانيا التي أخذت على عاتقها استكمالَ هذا المشروع. فبالنسبة إلينا نحن نثق بالجيش اللبناني الذي لديه «أحادية في قوّته والقتال» لأنه يمثّل جميعَ اللبنانيين وكلَّ المجتمعات، ونرى أن الجيش اللبناني يمثّل الرئيس والشعب والحكومة ومصلحة جميع اللبنانيين، وهو بذلك يشكّل فعلاً «أحادية القوّة».

النازحون السوريون

كيف تنظرون إلى أزمة النازحين السوريين التي انعكست على واقع لبنان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي؟

– أعتقد أنّ لبنان يتحمّل عبئاً ثقيلاً باحتضانه للّاجئين السوريين على أرضه. إذ إنّ مليون ونصف مليون سوري هو رقم كبير جداً نسبةً الى مساحة لبنان وعدد سكّانه، خصوصاً أنّ لهذا البلد تحدّيات أخرى كبيرة يعالجها، ونحن نقدّر ونحترم لبنان على قبوله هذا التحدّي ونراقب عن كثب طريقة معالجتِه ومقاربته لموضوع اللاجئين على أرضه وتعامله معه، ونحن عملنا على دعمه ومساعدته.

والمملكة تعلم حجم المشكلات التي يعانيها، إنْ من الناحية الاقتصادية لجهة المنافسة على العمل، أو من ناحية التضخّم السكّاني، إضافةً الى عوامل أخرى، ولكنّني لا أعتقد أنّ هذا هو الثمن الوحيد الذي سوف يدفعه لبنان جرّاء اللجوء السوري لأنّه سيستفيد من أشياء كثيرة إيجابية وهو الثمن الاقتصادي بالمعنى الإيجابي، فعلى المدى البعيد من المؤكّد أنّ لبنان سيستفيد من مشروع إعمار سوريا. ولطالما كان للبنان تاريخياً قدراتٌ مهمّة تُخوّله ولوجَ أسواق التصدير في سوريا.

في ظلّ انقسام الرأي في لبنان حول عودة النازحين والتنسيق مع النظام، هل لدى المملكة تصوُّر لحلّ هذه الأزمة؟ وهل تؤيّدون ترحيلهم إلى مناطق آمنة ؟

– بدءاً، أريد القول أنْ لا أحد يريد توطين السوريين في لبنان، وإذا رأيتِ مدى استثمارنا في لبنان لدعمِ أمنِه واستقراره، فستلاحظين حتماً كم أنّه متناقض تماماً مع مبدأ التوطين، بما فيه خطتُنا في تأمين سلام اللبنانيين وأمنِهم واستقرارهم على المدى الطويل، فقبولنا بتوطين السوريين سيكون متناقضاً لعملنا واستثماراتنا في هذا البلد على المدى الطويل.

أمّا في موضوع عودة النازحين فيجب عودتهم إلى بلادهم، لكنّنا نريد لهم العودة في ظروف مناسبة وآمنة. وما نراه في سوريا اليوم هو غير آمن وغير مستقرّ. صحيح أنّ القتال قد خفّ في بعض المناطق التي يطلَق عليها «مناطق آمنة»، لكنّ الاستقرار الكامل لا يعني «الحدّ من القتال» أو حصرَه في بعض المناطق! إنّما هو الوصول إلى وضع مستقر سياسياً، وهذا الوضع ليس مستقرّاً بعد.

وأعتقد أنّ زوال نظام الأسد هو ما يحتاجه النازحون للعودة، لعِلمنا أنّ سبب معاناتهم الأساسية هو قصفُ الأسد البربري للمؤسسات والمدارس والمستشفيات، إضافةً إلى ارتكابه أبشعَ الجرائم، ما يجعل السوريين يريدون الهرب من هذا النظام، وهذا ما نراه؛ وما نراه، لا يناسبه حلٌّ فوريّ، فإذا سرّعنا في عودة النازحين سيكونون غيرَ آمنين وسوف يَرحلون مجدّداً.

أمّا بالنسبة إلى خطر «داعش» فهو لا يزال قائماً بالتأكيد، إنّما «داعش» ليس هو سبب عدم عودتهم بل نظام الأسد، بعدما عانى الشعب السوري من ظلمه ووحشيته، حتى في المناطق الآمنة، وإذا بقي نظام الأسد سوف يخافون على أقاربهم وأشقّائهم… الموضوع الأهم هو المشكلة السياسية، وسيكون انعكاس عودتهم السريعة سيئاً عليهم على كلّ الأصعدة – كما شاهدنا في صراعات أخرى – لأنهم سيرحلون مرّة جديدة وستكون أشدّ قساوةً عليهم وعندئذٍ لن يتجرَّؤوا على العودة من جديد إلى بلادهم، لذلك أرى أنه يجب التمهّل لتكون العودة مدروسة وثابتة ولمرة واحدة ونهائية.

كيف قرأتم موقفَ الرئيس الأميركي الأخير الذي دعا إلى توطين النازحين في المناطق القريبة من البلاد التي نزحوا إليها؟

– أعتقد أنّ كلمة الرئيس الأميركي أسيءَ فهمُها، ويمكنكم سؤال السفيرة الأميركية التي ستشرحها أفضل منّي. إذ ربّما قصّد أنّهم بذلك يبقون قرب بلادهم جغرافيّاً حتى يحين موعد عودتهم! أمّا في ما يعنينا كمملكة متحدة نقول أنْ لا أحد، بما فيه الولايات المتحدة الاميركية، يمكنه اقتراح توطين دائم للّاجئين السوريين في لبنان، وجوابي واضح ونهائي.

إنّما السؤال هو متى يحين موعد هذه العودة الآمنة؟ وأحبّ الإشارة في هذا الإطار إلى أنّني عندما تكلّمتُ مع معظم النازحين كان الجواب أنّهم يرغبون في العودة إلى بلادهم لأنّهم يعانون أوضاعاً تعيسة هنا.

الانتخابات النيابية

كنتم أوّلَ الداعمين للانتخابات الرئاسية وسعيتم لتحقيقها، فهل من الممكن أن يكون للمملكة اليوم دورٌ مساهم في حصول الانتخابات النيابية؟

– دورُنا هو دور داعم، أيْ دعمُ وتشجيع مختلف الأطراف على العمل الدؤوب لإنجاز الانتخابات النيابية، عملاً بالقانون الجديد المتفَق عليه في أيار من العام المقبل، خصوصاً بعد التمديد للمجلس النيابي 3 مرّات، واللبنانيون متشوّقون إلى التصويت.

من هنا فإنّ شأننا واحد في الحالين ونطمح إلى أن يمثّل السياسيون في لبنان شعبَه ومصلحتَه فقط وألّا يخضعوا لأيّ ضغوط من الدول المجاورة أو لأيّ ضغوط خارجية أخرى، ومن المهم أن يكون لبنان معافى ديموقراطياً من خلال تحقيق انتخاباته النيابية الشرعية، وحان الوقت لتجديد المجلس والمؤسسات وتجديد الروحية السياسية الشابّة من خلال انتخابات متجدّدة تعيد الأوكسيجين والطاقة للمجلس ولبنان.

في النهاية، لم يُخفِ شورتر سرورَه لوجوده في لبنان، مؤكّداً عدم خوفِه من الوضع الأمني، وهو يقيم في لبنان مع عائلته ويستمتع بوجوده. ويصف اللبنانيين بأنّهم شعب ودود ومضياف ومحبّ، ويُبدي إعجابه بطبيعة لبنان وأرضه التاريخية وبطبيعة شعبه الذي يختزن تاريخاً من النضال المشرّف.