IMLebanon

هل يعود أمين الجميّل رئيساً للجمهورّية ؟

يحق للرئيس امين الجميل ان تراوده فكرة العودة إلى قصر بعبدا، وطموحه الرئاسي يظل مشروعاً حتى بعد تقاعده السياسي وتسليمه رئاسة حزب الكتائب إلى نجله النائب سامي الجميّل… فالرئيس الجميل يجد في نفسه وشخصه المواصفات المطلوبة للرئيس المقبل كما انه يجد حظوظه متوافرة إذا حسنت نيات واستعدادات الحلفاء، كما ان الكتائبيين يرون فيه الرئيس المطلوب لهذه المرحلة الدقيقة والحساسة.

فإذا كان «الرئيس القوي» هو العنوان المطروح والخيار المطلوب فان الرئيس الجميّل مصنف على لائحة المرشحين الأقوياء. وهذه اللائحة محددة حصراً بالاقطاب الموارنة الأربعة الذين التقوا لفترة تحت سقف بكركي.

مما لا شك فيه ان أمين الجميّل يستند إلى حيثية سياسية وشعبية وإلى رصيد وطني وإلى حزب عريق ارتبط اسمه بتاريخ لبنان الحديث، ولا يمكن لأحد التشكيك في تاريخ عائلة الجميّل ودورها الوطني ورصيدها التاريخي المتراكم ولا انكار تضحياتها وما قدمته من شهداء ودماء ودموع وفي مقدمهم فخامة الرئيس الشهيد بشير الجميل والوزير والنائب الشهيد بيار امين الجميل…

وإذا اصبح الرئيس التوافقي هو عنوان المرحلة وتتطلب رئيساً وسطياً قادراً على ان يحاور الجميع ويتفاهم مع الجميع، فان الرئيس الجميّل وهذا ما يراه محبوه، يمكن إدراج اسمه على لائحة «المرشحين التوافقيين» كونه رجلاً مؤمناً بالحوار ولديه قنوات اتصال مفتوحة مع كل القوى والاطراف السياسية اللبنانية.

ولكن مشكلة الجميّل في الاستحقاق الرئاسي المعلّق ان لديه مشكلة في الحالتين، مع «الرئيس القوي» ومع «الرئيس التوافقي» على حد سواء.

ففي الحالة الأولى، وإذا سلمنا جدلاً ان احتمال انتخاب «الرئيس القوي» موجود، متجاوزين قناعة راسخة لدينا بان لا الظروف ولا المعادلات الاقليمية ولا التوازنات السياسية والطائفية الداخلية تسمح بانتخاب مثل هذا الرئيس، فان أمين الجميّل ليس في مقدم الاسماء، وترتيبه يأتي بعد العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع. ولقد جاءت ورقة النيات المعلنة بينهما لتكرّس هذه الثنائية. وربما كان من اهدافها إبرام تحالف رئاسي بينهما يقضي بقطع الطريق على الآخرين بمن فيهم من تنطبق عليهم صفة المرشحين الأقوياء فيما لو رست الأمور على هذه الفئة من الاسماء..

وخلاصة القول انه في مثل هذه الحالة تكون «افضلية المرور» للعماد عون إذا رجحت الكفة وموازين القوى لمصلحة «حزب الله وفريق 8 آذار»، أو للدكتور جعجع إذا رجحت الكفة لمصلحة «تيار المستقبل وفريق 14 آذار». وحتى الآن لا مؤشرات إلى هذا الاتجاه أو ذاك وإلى امكانية ان ينكسر هذا التوازن الدقيق في ظل المجلس النيابي الحالي… وهذا ما يفسّر كيف ان عون وحزب الله يعطيان الاولوية، للخروج من الطريق المسدود إلى الانتخابات النيابية، كونهما على اعتقاد ان انتخابات نيابية على أساس قانون النسبية وتقديمها على الانتخابات الرئاسية تأتي بالعماد عون رئيساً للبلاد.

وفي الحالة الثانية، أي «الرئيس التوافقي»، فان الرئيس الجميّل يواجه اشكالية مزدوجة، يختصرها هذان السؤالان:

أولاً : كيف يمكن ان تنطبق على الرئيس أمين الجميّل مواصفات وشروط الرئيس التوافقي وهو المنتمي إلى فريق 14 آذار ويعدّ احد ابرز اعمدته واركانه واقطابه؟

الرئيس الجميّل يرى نفسه توافقياً لمجرد انه قادر على الانفتاح والتحاور مع الجميع وسلوك سياسة الاعتدال وتدوير الزوايا وإدارة التوازنات والتناقضات. وهنا ليس المهم ما يراه الجميل وانصاره المهم ما يراه خصومه السياسيون أي «حزب الله والتيار الوطني الحر» فإذا وضعنا الرئيس نبيه بري جانباً واعتبرناه صديقاً للجميّل لا خصماً سياسياً. فحزب الله حدّد رؤيته وشروطه وهو يؤيد الرئيس الذي يؤيد المقاومة ويدعمها وينخرط في محورها. والتيار الوطني الحر لا يعتبر الجميّل رئيساً توافقياً في مطلق الاحوال وانما يعتبره طرفاً وخصماً والعلاقة بينهما تسوء اكثر فاكثر خصوصاً بعدما ابرم الجميّل تحالفاً سياسياً مع ميشال سليمان في إطار اللقاء التشاوري.

ثانياً: هل يحصل الرئيس الجميّل على دعم حلفائه وهل ينجح في اقناعهم انه الرجل الأنسب والأفضل في هذه المرحلة والأكثر حظاً من بين مرشحيّ 14 آذار؟

– من ناحية تيار المستقبل فانه « يقاتل سياسياً « للوصول إلى الرئيس التوافقي وهو خاض تجربة ومغامرة الحوار الثنائي مع حزب الله لهذه الغاية مراهناً على لحظة اقليمية سياسية ستأتي يوماً وتقنع حزب الله ان لا امكانية لوصول مرشحه عون وان لا سبيل لتعبئة الفراغ الرئاسي إلا بانتخاب رئيس توافقي. وفي حال نجح المستقبل في الوصول إلى هذه «اللحظة» وإلى ظرف ينتج تسوية جديدة على غرار تسوية الدوحة العام 2008، فانه بالتأكيد لديه لائحة اسماء «توافقية» ويحملون صفات المرونة والتكييف مع واقع ما بعد الطائف الذي لا يكون فيه رئيس الجمهورية اقوى من رئيس الحكومة…

– ومن ناحية الدكتور سمير جعجع، فانه لا يرى ان حظوظ وفرص امين الجميل متقدمة عليه. فاذا كانت هناك فرصة متاحة لفريق 14 آذار بالوصول إلى قصر بعبدا فانه الأوْلى (اي جعجع) بالحصول على هذه الفرصة وبان تكون الافضلية له خصوصاً بعدما قطع شوطاً متقدماً في معركة الرئاسة وبعدما كرستّه جلسة الانتخاب اليتيمة مرشح 14 آذار الاول.

في الخلاصة ان الرئيس الجميل مدرك لكل ظروف ومعادلات الاستحقاق الرئاسي الذي لا يشبه أياً من الاستحقاقات السابقة. ولذلك فانه تعاطى بحذر شديد مع هذا الاستحقاق ولم يقدم على اعلان ترشيحه ولم يعطِ اشارة انخراطه في السباق الرئاسي وانما اكتفى بالتلميح إلى انه جاهز لذلك إذا طلب منه ذلك وبات حاجة ومخرجاً.

وعندما قرر الرئيس أمين الجميّل عملية التسلّم والتسليم بينه وبين نجله سامي والتخليّ عن رئاسة حزب الكتائب، فانه لم يفعل ذلك كي يتفرغ لمعركة رئاسة الجمهورية وانما لأنه ادرك ان فرصته بالعودة إلى قصر بعبدا ضعيفة وان معركته الرئاسية غير مضمونة.

وعندما اعلن رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل على طاولة الحوار ان الرئيس المقبل لن يكون لا من فريق 8 آذار ولا من فريق 14 آذار، فانه كان يعلن بشكل غير مباشر ان والده الشيخ أمين الجميّل لن يكون رئيساً للجمهورية مرة ثانية وان مواصفات الرئيس التوافقي لا تنطبق عليه.

الرئيس امين الجميّل الذي نجح في إعادة واستعادة بيت الصيفي وحسم بقوته ورصيده معركة الكتائب قبل عشر سنوات، يواجه صعوبة كبيرة في استعادة قصر بعبدا وحسم معركة الرئاسة… هذه معركة مختلفة تماماً ولها قواعدها وظروفها وحساباتها الخارجية وهي خارج إرادة اللبنانيين لكنه وبالرغم من كل ذلك يتبع الجميل الاب المثل القائل: انا ما زلتُ موجوداً وما زلتُ أنتظر فـربما تعود.