على مسافة ساعات من جلسة الانتخاب ال45 لرئيس الجمهورية اليوم، لم تلح في الافق السياسي أي معطيات جديدة توحي بأي توافق ولو بالحد الادنى بين المعنيين يفضي الى انهاء الشغور بل بالعكس فان المواقف الى مزيد من التباعد، حيث من المرجح حتى اللحظة أن تستعيد سيناريو سابقاتها بحسب مصادر في تيار المستقبل، بعدما سارت رياح بنشعي الليلة خلافا لسفن الرابية الرئاسية، مسقطة حلم وصول «الجنرال» الى بعبدا. فالعونيون على تفاؤلهم الذي يخفي غضبا مكتوما، والمستقبل على موقفه من تعطيل النصاب، ورئيس المجلس متمسك بسلته التي من دونها لا رئيس، وحزب الله معتصم بصمته.
على خلفية هذه الحركة الجارية والتوقعات بشأن الخيارات الممكن سلوكها، فان دخان الجلسة الحكومية الابيض ينتظر نتيجة الاتصالات التي يقودها رئيس مجلس الوزراء تمام سلام التي لم تسفر عن اي صورة واضحة حتى الان، حيث يتنازع المشهد موقفان، الاول مبدئي يقول بعدم الرضوخ للمعطلين، وثاني تكتيكي يقول بالتريث في الدعوة بانتظار انهاء وزير الدفاع ملفي قائد الجيش ورئيس الاركان، حيث أوضحت مصادر حكومية التزام سلام سياسة عدم التسرع وعدم الإقدام على اتخاذ أي خطوة من شأنها أن تشكل استفزازاً لأي من المكونات الحكومية، لافتةً الانتباه في الوقت عينه إلى أنه لم يتلقّ حتى الساعة أي جواب نهائي من قيادة «حزب الله» بشأن مشاركة وزيريها من عدمها ، وبما أنّ مهلة الـ72 ساعة الدستورية الفاصلة عن جلسة الخميس قد انقضت من دون أن يوجه رئيس الحكومة الدعوة لانعقادها، أكدت المصادر أنّ حظوط عدم انعقاد الجلسة باتت تتقدم على فرص انعقادها، مرجحةً في ضوء ذلك ألا ينعقد مجلس الوزراء هذا الأسبوع بانتظار أن تتضح ما ستؤول إليه مشاورات رئيس المجلس خلال الأيام القليلة المقبلة ويتخذ بموجبها القرار المناسب.
ففي وقت ما زالت بعض الاوساط تؤكد انّ خيار الحريري قد حسم لصالح ترشيح عون، جاء عشاء بنشعي لجهة مكانه وتوقيته، حاملا اكثر من مغزى ودلالة، خصوصاً انها الزيارة العلنية الاولى للشيخ سعد في اطار جولته الاستشارية التي بدأها، اذ اتت لتجيب عن كل الاستفسارات والاسئلة التي اثيرت في الاجواء الداخلية، رغم حرص الطرفين على وصف اللقاء بـ»الايجابي» شكلا ومضمونا ، ما يفتح الباب على اسئلة كثيرة، خصوصاً حول مصير مبادرة الحريري بترشيح فرنجية، حيث لفت اكتفاء الطرفين ببيان مشترك جاء بصياغة عامة لا تنطوي على أية اشارة الى مبادرة الحريري بترشيح فرنجية، قبل ان تؤكد مصادر المردة استمرار البيك في معركته.
الحريري العالق بين حدي، ضغوط فريق المستقبل الداعم لفكرة وصول عون الى الرئاسة، وبين الاغراءات العونية التي ذهبت ابعد بكثير مما قدمه فرنجية،معيدا ما كان سبق وطرحه عليه عشية السابع من ايار الشهير، يواجه تصلبا شديدا من رئيس مجلس النواب الذي «هدد» باسقاط اي حل لا يشمل «السلة المتكاملة» ، يعتزم نقل نتيجة مشاوراته الى القيادة السعودية مطلع الاسبوع المقبل ، حيث حدد له موعد مع الامير محمد بن سلمان ، ليتخذ على ضوء التطورات المقتضى.
وفي هذا الاطار تكشف المعلومات ان نصيحة رئيس «جبهة اللقاء الديمقراطي» للرابية ذهبت ادراج الريح مع اصرار الجنرال على موقفه من عدم محاورة الرئيس بري ،المصر على خوض «معركة كسر» العماد والتحريض ضده عبر نسفه المبادرات الجدية، بحسب المصادر العونية، التي ذكرت بتاريخ الاستاذ في وضع العصي امام المسيرة العونية من ملف المياويمين ،مرورا بالاتفاق النفطي الخديعة، وصولا الى تهديده وتحضيره لانزال شارعه مقابل الشارع البرتقالي لاسقاط الورقة الاقوى بيد الرابية، داعية النائب فرنجية الى «وعي أن رئيس تيار المستقبل سيتخلى عنه عاجلا أم آجلا لصالح الجنرال أو غيره، وبالتالي مصلحته تقتضي المسارعة الى تصويب أخطائه»، كاشفة عن جولة زغرتاوية للوزير جبران باسيل الاحد حيث سيقوم بعدة زيارات منها الى كنيسة السيدة، ومتحف يوسف بك كرم، ثم يلتقى منضويين جددا في التيار الوطني الحرّ ويوزع عليهم بطاقات حزبية، على ان ينهيها بغداء يقام على شرفه في بلدة مزيارة.
من جهتها تكشف اوساط سياسية متابعة ان لعبة «ثلاثي السلطة» بري-الحريري-جنبلاط باتت مكشوفة، اذ ان كل ما يجري لا يعدو كونه عملية احتواء للتحركات التي ينوي عون تنفيذها بالشارع ، وسط تقاسم الثلاثي للادوار، بري بتهديده بعصا الشارع المقابل، الحريري بإغوائه بجزرة الرئاسة ،وجنبلاط بتقديمه النصح، مستفيدين من الموقف العوني المحرج وحاجة الجنرال للخروج من مأزق الشارع الذي قد يقوده الى مواجهة مع الجيش كلفتها كبيرة جدا مسيحيا، مشيرة الى ان زوار بيت الوسط نقلوا خلال الساعات الماضية مخاوف جدية من سعي البعض الى تفجير الفتنة المسيحية – السنية، والسنية – الشيعية، في ظل إصرارهم على استخدام ورقة الشارع لتحقيق مآربه السياسية، مع ورود تقارير عن استعدادات في الشارع السني تحضيرا لانطلاق تظاهرات تعارض دعم الحريري لعون، داعية الى متابعة زيارات الرئيس الحريري التي قد تقوده هذه المرة علنا الى الرابية، معتبرة انّ التفاؤل العوني «عبثي» باعتبار ان الامور خرجت من دائرة قدرة اللبنانيين وأصبحت في الأروقة الاقليمية والدولية حيث الامور تتجه لمزيد من التصعيد بعيدا كل البُعد عن منطق الحلحلة.
بعد جرعات مفرطة في التفاؤل في الملف الرئاسي وقراءات وتحليلات لامست انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، لعل صمت الرئيس سعد الحريري هو الاكثر تعبيرا. فالرجل لم يلزم نفسه بشيء. هو لم يعِد عون ولم يخرج من فرنجيه. ماذا ستنتج اتصالات ومشاورات الايام القليلة المقبلة رئاسيا؟ ويبقى السؤال الكبير «كيف سيكمل البرتقاليون معركةَ ايصال زعيمهم الى بعبدا؟ وهل سيلجأون فعلا الى «سلاح» التصعيد وتحريك الشار كما يؤكدون؟ام يؤجلون تحركهم التصعيدي لعدة أيام في ضوء التطورات؟ الجميع حسم موقفه، والجميع في المأزق بانتظار الحل السحري الذي يحفظ ماء وجههم على قاعدة «اكل العنب لا قتل الناطور».