Site icon IMLebanon

الثورة في عرض الإستقلال

 

لا عرض عسكرياً مركزياً للإستقلال هذا العام. كان من المفترض في الذكرى السادسة والسبعين لتاريخ 22 تشرين الثاني 1943 أن يكون الجيش اللبناني في جادة شفيق الوزان، يستعرض بعض وحداته العسكرية من مختلف الأسلحة والوحدات والمناطق إلى جانب وحدات أخرى من سائر القوى العسكرية، ولكن بعد التطورات الحاصلة منذ انطلاق ثورة 17 تشرين استبدلت السلطة مهمة الجيش السنوية بمهمات ممتدة على مساحة الساحات، التي تحصل فيها اعتصامات المعترضين على أدائها والمطالبين بحكومة جديدة على قدر طموحاتهم. حكومة مستقلة تكون حكومة استقلال فعلي. غاب الجيش عن هذا العرض ولكن حضرت الثورة في عرض شعبي أكبر على مساحة الوطن.

في 22 تشرين الثاني 2013 ترأس رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان آخر احتفال بالعرض العسكري في عهده لمناسبة الذكرى السبعين للإستقلال في جادة شفيق الوزان. دقت الساعة الثامنة من صباح ذلك النهار معلنة انتهاء تمركز القوى المشاركة في الاحتفال، ومع وصول علم الجيش أديت المراسم المعتمدة.

 

على المنصة الرئيسية كان يجلس الرئيس تمّام سلام المكلف تشكيل الحكومة منذ 6 نيسان، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي المستقيل في 22 آذار، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي وكان يتقدمهم الرئيس سليمان.

 

في عيد الجيش في أول آب من ذلك العام كانت للرئيس سليمان كلمة في حفل تخريج الضباط في المدرسة الحربية ضمنها مواقف سياسية لافتة وجريئة. فقد دعا إلى إعادة النظر في الإستراتيجية الدفاعية بعدما تخطى “حزب الله” الحدود اللبنانية للقتال في سوريا، وشدد على عدم جواز نقل الجيش من موقع الدفاع عن المواطن إلى موقع الدفاع عن نفسه، خصوصاً في حالات الغدر بضباطه وجنوده، مشيراً إلى استحالة مهمته إذا استمرت ازدواجية السلاح الشرعي وغير الشرعي. وقال إن الجيش هو خط الدفاع عن الدولة والمواطنين لكنه لا يمكنه أن يملأ الفراغ الحكومي والسياسي. ودعا إلى تأليف حكومة تحظى بالثقة وتواجه التحديات وإذا تعذر ذلك فلا بد من حكومة حيادية ترعى كل الفئات. هذا الكلام استدعى يومها رداً صاروخياً على القصر الجمهوري لم يتم تحديد هوية من قام به على رغم أكثر من ستة أعوام على حصوله، وإن كان كثيرون اعتبروا أنه رد على كلام سليمان حول السلاح الشرعي وغير الشرعي، بعدما كان أعلن أن معادلة جيش وشعب ومقاومة باتت معادلة خشبية، وبعدما كان “حزب الله” قد انخرط عسكرياً في الحرب السورية وخاض معركة القصير.

 

عون واحتفال 2016

 

كان ذلك آخر كلام في المدرسة الحربية وآخر عرض عسكري في ذكرى الإستقلال. طال الإنتظار ثلاثة أعوام بسبب الفراغ الذي خيم على قصر بعبدا بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان وحتى انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016. في خطاب القسم عبر الرئيس الجديد عن تطلعاته للسنوات الست المقبلة. مما قاله: “إنّ من يخاطبكم اليوم، هو رئيس الجمهورية الذي أوليتموه، مجلساً وشعباً، ثقتكم لتحمّل مسؤولية الموقع الأوّل في الدولة، الآتي من مسيرة نضاليّة طويلة لم تخلُ يوماً من المسؤوليات الوطنية، سواء في المؤسّسة العسكريّة التي نشأ في كنفها وتبوّأ قيادتها، أو في ممارسة السلطة العامة بالتكليف الدستوري، أو في الشأن العام بالتكليف الشعبي. رئيسٌ أتى في زمن عسير، ويؤمل منه الكثير في تخطي الصعاب وليس مجرد التآلف والتأقلم معها، وفي تأمين استقرار يتوق إليه اللبنانيون كي لا تبقى أقصى أحلامهم حقيبة السفر…”. بعد ثلاثة أعوام أعاد الرئيس عون تذكير اللبنانيين بتاريخه ولكن في مرحلة يفتقدون فيها الإستقرار مقترحاً عليهم الهجرة إذا كان لا أحد يعجبهم في هذه السلطة.

 

في 22 تشرين الثاني 2016 استعاد الرئيس المنتخب الإحتفال بذكرى الإستقلال. ولكن قبل هذا الإحتفال الذي كان محدداً كان “حزب الله” يقيم في 14 تشرين الثاني 2016 في القصير داخل سوريا عرضاً عسكرياً لم يكن هناك حظر عسكري عليه، بحيث أنه تم توزيع صور عنه. ربما كانت تلك رسالة مباشرة إلى الرئيس الجديد في بداية عهده وقبل العرض العسكري الرسمي الذي كان سيقيمه الجيش.

 

اليوم بعد ثلاثة أعوام على ذلك العرض يغيب العرض هذا العام ولكن ليس بسبب فراغ موقع الرئاسة. ربما هذا ما كان لا يتمنى الرئيس عون أن يصل إليه. فقد وصل إلى قصر بعبدا على أساس أنه سيستعيد الدولة والمؤسسات والتوازن والإستقرار ورسم أحلاماً لعهد قوي ولرئيس قوي ربما حمّل نفسه وحمّل العهد أكثر مما يمكنهما أن يحملا، ولذلك أتت ردة الفعل الشعبية السلبية عليهما لأنهما لم يكونا على قدر الآمال التي رسمت.

 

اليوم بعد ثلاثة أعوام على بداية العهد، ولو كان مقدراً أن يكون هناك عرض عسكري، لكان الرئيس عون سيستعرض الوحدات المشاركة بحضور رئيس حكومة مستقيل وربما رئيس حكومة مكلف وفي ظل حالة ضياع سياسية بحثاً عن حكومة يريدها الشارع المستمر في ثورته منذ 17 تشرين الأول، حكومة حيادية وحكومة مستقلة وحكومة استقلال وسيادة وطنية. حكومة إنقاذ من التدهور الإقتصادي والأمني والسياسي. حكومة توحي بالثقة.

 

الثورة والجيش

 

بدل أن يكون الجيش يتحضر لهذ المناسبة في وسط بيروت بإجراء تمارينه، وجد نفسه يوزع وحداته على الشوارع والمناطق في مواجهة التظاهرات والمتظاهرين وفي ظل حال ضياع سياسية.

 

ربما كان هناك من يريد أن يصطدم الجيش بالثورة وأن يقمع التظاهرات ويمنع قطع الطرقات بالقوة. وهو وإن استخدم هذه القوة أكثر من مرة فإنه يعاني في المقابل من خطر التحرك بين خطين: خط تلبية الضغوط السياسية والسلطوية وخط عدم الإصطدام بالشارع في ظل غياب القرار الحكومي الواضح، وخصوصاً في ظل أزمة ثقة بين قيادة الجيش ووزير الدفاع الياس بو صعب تظهرت في أكثر من مرة وفي ظل علاقة ملتبسة مع رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، وربما مع رئيس الجمهورية.

 

لو ترك الخيار لقيادة الجيش لما كانت ترغب بالتأكيد في الصور التي تتم مشاهدتها مباشرة على الهواء والنقل المباشر. أزمة وجود الجيش في الشارع ليست قراراً إرادياً من القيادة بل هي انعكاس ونتيجة للأزمة السياسية التي وصل إليها الحكم مع الحكومة. فالجيش لو ترك الخيار له لكان يفضل أن يكون حيث كان يجب أن يكون. لقد دفع هذا الجيش ثمناً باهظاً أكثر من مرة نتيجة غياب الرؤية السياسية والمعالجات الأمنية. دفع الثمن في مواجهات مخيم نهر البارد في العام 2007، وفي مواجهات عبرا مع جماعة الشيخ أحمد السير وفي مواجهات طرابلس المتفرقة، وفي مواجهة عرسال في العام 2014 في ظل الفراغ الرئاسي والحكومي. وعندما حقق إنجاز طرد المسلحين من جرود القاع ورأس بعلبك لم تغطّه السلطة السياسية حتى يكون له احتفال بهذه المناسبة، ولما كان أتى من يقول له بأنه استلحق نفسه بالدخول في هذه المعركة.

 

كان يجب أن يكون احتفال الجيش بذكرى الإستقلال هذا العام أكبر من مجرد احتفال وعرض عسكري. احتفال باستقلال حقيقي يعيد إلى الأذهان صخب احتفالات السنوات الأولى في مراحل ما بعد الإستقلال عندما كان سلاحه هو السلاح الشرعي والوحيد. ربما ما قاله الرئيس سليمان في العام 2013 حول السلاح الشرعي وغير الشرعي هو الذي كان يجب أن يطبق مع الرئيس ميشال عون، بدل الإستمرار في تغطية هذا السلاح ورهن موقعه في الرئاسة بهذه التغطية.

 

لقد ذهبت الثورة الشعبية إلى التعبير عن روحية هذا الإستقلال في احتفال كبير تظهرت صورته في أكثر من يوم وفي أكثر من مناسبة. في الخطاب الوطني الشامل في كل المناطق وفي التمسك برفع العلم اللبناني دون غيره، وفي الوعي العام لخطورة المرحلة وفي الوحدة ضمن التنوع وفي التمسك بالجيش سلاحاً شرعياً وحيداً على رغم التجاوزات التي حصلت. الأهم الذي يبقى في العرض الشعبي الكبير أنه يحصل بحضور شعبي كبير من دون حضور رسمي وأنه يطالب بتغيير كبير يوصل إلى الإستقلال الحقيقي. فهل تجري الرياح بما تشتهي سفن ثورة 17 تشرين؟