IMLebanon

show النفايات: مسرحية فاشلة وممثلون فاشلون

على كل مواطن طبْع صور الاجتماع الأخير للجنة المال والموازنة وبروزتها في الصالون، وأرشفة مواقف السياسيين الشجعان الذين تعاقبوا على التصريح يومها؛ فلا شيء يمكن أن يختزل فساد الطبقة السياسية وجشعها واستغباءها الرأي العام أكثر من هذا الاجتماع

في طاولة الحوار يجتمع الصف الأول والثاني، من المسؤولين عمّا بلغته الأوضاع، أما في اجتماع لجنة المال والموازنة فحضر رؤساء مجالس بلدية واتحادات ونواب ووزراء وخبراء وغيرهم ممن يرسمون مجتمعين صورة متكاملة لأخطبوط الفساد الذي ما عاد يشبع.

ومقارنة الطاولتين تبيّن أن المشكلة التي أظهرها اجتماع «المال والموازنة» أكبر بكثير من المشكلة التي تظهرها اجتماعات الحوار الوطنيّ. فرئيس المجلس البلدي الذي ينام مطمئن البال إلى إحراق شرطته أكوام النفايات المكدسة وسط الأحياء السكنية، يذهب إلى الاجتماع مزهوّاً بنفسه بوصفه شخصية محترمة تستوجب التقدير، لا فاسداً أو مقصراً يستوجب المحاسبة. رئيس المجلس البلدي الذي يسهل شفط الرمال من شاطئه وصبّ المجارير فيه يذهب ليحاضر في العفة. زبائن «أيشتي» الذي «تسلبط» على الشاطئ المتني يحاضرون في العفة. حزب الطاشناق الذي رعى وسهّل ووافق على إنشاء مطمر برج حمود الأول والثاني يحاضر في العفة. حتى رئيسة الاتحاد ميرنا ميشال المر التي حصرت نشاط اتحادها بمنح رخص البناء تحاضر في العفة. أما التيار الوطني الحر فهو رمز العفة، والإصلاح والتغيير مع وقف التنفيذ: التيار الذي يملك أكثرية بلدية ونيابية ووزارية في جبل لبنان عارض خطة شهيب في مجلس الوزراء، لكنه لم يضع فيتو عليها، ويقول اليوم إنه «ليس في اليد حيلة ما دام لا يملك أكثرية بلدية ونيابية ووزارية»، ويفترض بالمتضررين المراهنين عليه أن ينتظروا بالتالي انتخاب العماد ميشال عون رئيساً ليتغير قانون الانتخابات فتتغير الأكثرية النيابية وتتغير الحكومة وقانون الانتخابات البلدية والمجالس البلدية ووزراء الداخلية والزراعة والبيئة، ويصبح بالإمكان تغيير خطة النفايات من داخل المؤسسات. إلا أن بطل المسرحية ليس أياً من هؤلاء؛ دور البطولة ذهب هذا العام إلى النائب سامي الجميّل الذي لا يبالي بشفط الرمل عند شاطئ نهر الكلب، ولا بصبّ سبعة أنابيب مجارير على طول شاطئ المتن، ولا بمخالفة «أيشتي» ونحو ثلاثين مستثمراً آخرين قانون الأملاك البحرية، ولا بتفرج المجالس البلدية المحسوبة عليه على تكدس النفايات في الشوارع بدل استحداث معامل فرز ومعالجة على عجل، ولا برمي النفايات عند شاطئ برج حمود؛ ما يعنيه و»يهستره» هو كبّ النفايات عند شاطئ الجديدة على نحو يعكّر مزاج صاحب إحدى شركات النفط. ولعل «سامي البيئي» لا يعلم، إلا أن الرأي العام يعلم جيداً، أن والده الرئيس أمين الجميّل كان يؤمن بتبليط البحر قبل أن تخطر الفكرة ببال الرئيس رفيق الحريري. وفي وقت كان فيه سامي ينصب خيمته عند مدخل مكب الجديدة، كان المواطنون يتوافدون إلى واجهة المتن البحرية التي رعى والده ردمها (بصخور جبال متنية لا تزال مشوّهة) وتبليطها وبيعها لمستثمر خليجيّ أنشأ مشروعاً سكنياً فيها لا يمكن المواطن اللبنانيّ العاديّ أن يحلم بشراء شرفة فيه، لا شقة كاملة.

هنا ثمة حقائق كثيرة ينبغي الإضاءة عليها. ففي الشكل هم مجموعة فاسدين، أو أقله مقصرين تجاه ناخبيهم، يذهبون مثقلين ببطونهم إلى الاجتماع من دون طروحات علمية أو أفكار جدية تتعلق بالمصلحة العامة لا مصالحهم الخاصة، أما مضمون الاجتماع فيؤكد أن الوقاحة بلغت ذروتها؛ والبداية من الجميّل: أولاً، النائب الذي كان ممثلاً في مجلس الوزراء بثلاثة وزراء كان قادراً على عرقلة إقرار الخطة بواسطة وزير واحد، لكنه لم يفعل ذلك. لماذا؟ لا أحد يعلم حتى الآن. ثانياً، النائب الذي تصدى لرمي النفايات في مكب الجديدة لا يبالي بكل ما سبق، وخصوصاً برمي النفايات في مكب برج حمود على بعد مئتين وخمسين متراً فقط من مكب الجديدة، ما يؤكد أن معارضته مصلحية لا مبدئية. ثالثاً، بدا واضحاً خلال الاجتماع أنه لا يملك أي طرح بديل، وما يسببه تكدس النفايات في الشوارع بالتالي ليس إلا وسيلة ليقول الرأي العام مجدداً لسوكلين خذي ما تريدينه وافعلي ما شئت، لكن أنقذينا من النفايات. والجدير ذكره أن مجالس بلدية محسوبة على المر أكدت خلال اجتماعها استعدادها المباشرة فوراً بالإجراءات اللازمة للفرز والاستغناء التدريجي عن مطمر برج حمود، فيما رؤساء البلديات المحسوبون على الجميّل يواصلون تكديس النفايات في الشوارع من دون سؤال أقله عن الخيارات الأخرى المتاحة أمامهم. ومداخلات سامي أكدت أن ما فعله خلال الأسبوعين الماضيين ليس إلا قنبلة صوتية أخرى مع رائحة نتنة هذه المرة.

أما رئيسة اتحاد بلديات المتن ميرنا المر فكانت إيجابية في تعاملها مع الطروحات، لكنها تذهب إلى الاجتماع خالية الوفاض من أي طرح جديّ أو اقتراح. وهي كانت قادرة، منذ عشر سنوات، على جمع رؤساء البلديات وتأمين اللازم لفرز النفايات في المنازل وجمعها ومعالجتها وطمر الكمية الصغيرة المتبقية.

بدوره، يتعامل حزب الطاشناق مع هذا الملف الحياتي ــ الإنسانيّ الذي لا يمكن اللعب فيه بوصفه صفقة متكاملة تؤمن مدخولاً مالياً كبيراً لبلدية برج حمود التي ستنفقه بالتنسيق مع الطاشناق طبعاً. وما كاد النائب غسان مخيبر يقترح فكرة تمس بخطة شهيب ــ الصفقة حتى خبط النائب هاغوب بقرادونيان بيده على الطاولة وخرج متوعّداً من ينوون كبّ كيس نفايات واحد في «برج حمود» دون الجديدة، وذلك بهدف إبقاء خطة شهيب كما هي، لأن المس بها لناحية تقصير الفترة الانتقالية من أربعة أعوام إلى عام واحد يعني تخفيض مخصصات البلدية الطاشناقية.

وموقف الطاشناق المدافع بشراسة عن خطة شهيب – مجلس الإنماء والإعمار يقود إلى موقف تكتل التغيير والإصلاح الذي لعب خلال الاجتماع الأخير دور مدير الجلسة فقط، رغم أن لحزب الطاشناق نائبين وبلدية ويضع شروطه ويتصرف كلاعب أساسيّ مقرر، فيما التيار الوطني الحر يملك عشرين نائباً وثلاثة اتحادات بلدية ونحو ستين مجلساً بلدياً في جبل لبنان لكنه يعجز عن تقديم حل متكامل لملف نفايات جبل لبنان يلزم القوى السياسية به، أو حتى فرض مجموعة تعديلات إصلاحية على خطة شهيب. لماذا؟ لأن موقف التيار ليس موحداً، وهو موزع بين من يقتصر همهم على عدم تسجيل الجميّل نقطة عليهم في الاعلام، ومن يهمهم استرضاء مجلس الإنماء والإعمار، ومن يديرون أعمالاً خاصة تشمل استيراد المحارق التي نصّت خطة شهيب على الاستعانة بها خلال أربع سنوات.

وفي النتيجة، بدا واضحاً خلال اجتماع «المال والموازنة» أن إيجاد حلول حقيقية وطويلة الأمد لأزمة النفايات أمر ممكن في حال تعاون المجالس البلدية واتحادات البلديات والنواب والوزراء المعنيين، وهناك قدرة على خفض نسبة الطمر من نحو 85 إلى نحو 30 في المئة فقط. والمطلوب لتحقيق ذلك: أولاً، إيقاف النواب مسرحيات المزايدة الهزلية من جهة والاستزلام لمجلس الإنماء والإعمار من أجل مقاول من هنا وتزفيت طريق من هناك. ثانياً، فصل النواب والوزراء بين المصلحة العامة وأعمالهم الخاصة، سواء في المحارق أو غيرها. ثالثاً، طيّ المجالس البلدية صفحة الإنجازات الوهمية المتمثلة في افتتاح قصر بلديّ هنا وتقاسم اللوائح الاعلانية هناك وتحقيق إنجازات إنمائية طويلة الأمد يستفيد منها جميع المواطنين، مثل معامل فرز النفايات وتنظيف الشاطئ وحمايته واستحداث حدائق عامة بدل مكبات النفايات، علماً بأن اجتماع «المال والموازنة» الأخير تمكن من إحداث اختراق كبير، لكن خشية الطاشناق على مكاسبه المالية من «خطة شهيب» وخشية الجميّل على ظهوره بمظهر الخاسر دفعتا كلاً منهما إلى رفع السقف مجدداً لإطاحة الإصلاح والتغيير وإبقاء الأمور على حالها. وليضيع الجمهور بالكامل، لم يكن ينقص في اليوم التالي لاجتماع «المال والموازنة» سوى أن يزور الوزير الياس بو صعب النائب سامي الجميّل في خيمته للتعبير عن تضامنه معه، في وقت كان فيه النائب إبراهيم كنعان يؤكد أن إصلاح خطة شهيب ما كان ليتحقق لو لم يبادر الجميّل إلى رفع الصوت في محاولة منه لإنزال الجميّل عن الشجرة، وذلك بعد تحريض العونيين على الجميّل منذ اليوم الأول لتحركه، متهمين إياه بالتسبّب في تكدس النفايات إضافة إلى تحركه بناءً على توجيهات شركات النفط لا مصلحة المتنيين. والخلاصة تفيد بأن ما كتبته سوكلين بخط شهيب قد كتب ولا أحد من الأفرقاء السياسيين لديه خطة بديلة أو أقله نية لتغيير ما كتب؛ فقط مسرحيات هزلية تنعم على الجميّل وغيره بالأضواء لبضع دقائق لكنها لا تؤدي إلى أيّ منفعة في ظل اللامبالاة الشعبية العارمة بكل التصريحات السياسية والاعتصامات واجتماعات اللجان وغيرها. فالنفايات في الشوارع لا تترك مجالاً للشك الشعبيّ في فشل ممثليهم على جميع المستويات.