برغم أن جريمة تفجيرَي مسجدَي التقوى والسلام في طرابلس، قبل ثلاث سنوات، ذهب ضحيتها نحو 50 شهيداً وأكثر من 500 جريح، فإنها سرعان ما ضاعت داخل زواريب الخلافات السياسية في المدينة، تاركة أهالي الضحايا وحيدين أمام وجعهم
طغى «عرض العضلات» السياسي بين وزير العدل المستقيل أشرف ريفي والتحالف السياسي الذي واجهه في الانتخابات البلدية الأخيرة، على الذكرى الثالثة لتفجيري مسجدي التقوى والسلام في طرابلس.
فقبل أيام كان ريفي يجري استعدادات لوجستية لتنظيم مهرجان شعبي بالمناسبة، في موازاة استعداد مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، بعد التواصل مع قوى سياسية في المدينة، لإقامة لقاء جامع في دار إفتاء المدينة، ما أحدث إرباكاً على أكثر من مستوى، وهو ما دفع الشعار إلى إعلام مَن فاتحه بالأمر أنه سيُلغي لقاء دار الفتوى إذا أصرّ ريفي على إقامة المهرجان، حرصاً منه على عدم إظهار طرابلس منقسمة حول قضية يفترض أن تكون جامعة.
الاتصالات أدّت إلى تراجع ريفي عن تنظيم المهرجان، والاستعاضة عنه بمؤتمر صحافي عقده في منزله يوم السبت الماضي، في خطوة بدت استباقاً للحدث، وهدف من ورائها إلى «قطف» ثمارها سياسياً قبل الآخرين، خصوصاً أن المؤتمر عقده مع وفد من هيئة علماء المسلمين، وفي حضور خطيبَي المسجدَين الشيخين سالم الرافعي وبلال بارودي.
ودفعت خطوة ريفي إلى استنفار الفريق المناوئ للرد عليه، وهو ما ظهر في لقاء دار إفتاء طرابلس أمس، الذي شارك فيه وزير الداخلية نهاد المشنوق، ليشكل رافعة ودفعاً إضافياً له، وبحضور أغلب ممثلي التحالف السياسي الذي أعلن عن نفسه في الانتخابات البلدية الأخيرة في طرابلس، أو من ينوب عنهم، وخصوصاً الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي والجماعة الإسلامية، إضافة إلى هيئة علماء المسلمين وأهالي الضحايا، باستثناء الوزير السابق فيصل كرامي الذي لا تزال علاقته بالشعار مقطوعة، إضافة إلى غياب جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش).
وعلمت «الأخبار» أن الشعار وجّه دعوة إلى ريفي لحضور اللقاء، إلا أن الأخير تذرّع بانشغاله في بيروت، ولم يرسل من ينوب عنه، ما دفع الشعار في مستهل كلمته، بعدما خرج عن النص، إلى التعبير عن استيائه «بعدما تحولت هذه المناسبات إلى محاولات قنص سياسي».
وردّاً على سؤال لـ»الأخبار» عمّا إذا كان لقاء دار إفتاء طرابلس رداً على المؤتمر الصحافي الذي عقده ريفي، قال المشنوق: «إننا لسنا بوارد التنافس مع ريفي»، بينما لفت الشعار قائلاً: «لا علم لي بأي لقاء آخر عقد بهذا الخصوص»، مؤكداً أنه «جرى الاتفاق بيني وبين مرجعيات المدينة على عقد لقاء واحد في دار الفتوى».
غير أن شخصيات سياسية ودينية حضرت لقاء دار إفتاء طرابلس أكدت لـ»الأخبار» أن اللقاء «عقد بإيعاز من الرئيس سعد الحريري للقوطبة على حركة ريفي ومحاصرته، إلا أنهم بذلك يخدمونه ويعزّزون وضعه، لأن اللقاء جاء على شكل ردّ فعل ولم يكن خطوة مدروسة ومخططاً لها مسبقاً».
وما يؤكد هذا الاعتقاد أن المشنوق حاول تقليد ريفي، ولو على طريقته، فبعدما رفع الأخير في مؤتمره الصحافي صورة مشتركة تجمع الطفلين السوريين إيلان الذي قضى غرقاً قبل أشهر عند الشواطئ التركية، والطفل عمران الذي أنقذ من تحت الأنقاض في مدينة حلب قبل أيام، استحضر المشنوق الطفل عمران ليقارن بين صورته وسورة آل عمران في القرآن الكريم. أكثر من ذلك، بدا اللقاء وكأنه مزايدة على مواقف ريفي لجهة الهجوم على النظام السوري وحزب الله، من أجل سحب البساط من تحت قدمي وزير العدل المستقيل.
وبرزت هذه المزايدة بوضوح في ثلاث نقاط تحدث عنها المشنوق في كلمته، الأولى إعلانه «أننا في صدد تحضير ملف أمني وقانوني لنتقدم في مجلس الوزراء بطلب لإلغاء الترخيص المعطى لحماة الديار»، مشيراً إلى أن «الديار لا تُحمى بمزيد من الميليشيات، ولا بمزيد من القوى المسلحة غير الشرعية». والنقطة الثانية تتعلق بالتحقيقات الجارية حول تفجير المسجدين، فأشار إلى أن الدولة «قامت بتحقيقاتها كاملة وسمّت كل الناس المسؤولين عن هذه الجريمة، فرداً فرداً، في لبنان وسوريا»، مضيفاً أن «غالبية المجرمين والمخططين هربوا إلى سوريا ليحتموا بالقاتل».
والنقطة الثالثة تتعلق بالحوار مع حزب الله. فبعدما جدّد موقفه من اعتباره سرايا المقاومة «سرايا فتنة واحتلال»، قال إنه «ليس خافياً على أحد أننا في جلسات الحوار الطويلة والكثيرة مع حزب الله لم نتقدم خطوة واحدة على طريق معالجة هذا الملف». لكنه أكّد أنه «جزء من حوار أرى فيه فضيلة، هي أننا من خلال الكلام وصورة اللقاء قد ننجح في منع تمدد الفتنة السنية ــــ الشيعية إلى لبنان».