Site icon IMLebanon

شكري فكّ «الحصار» الديبلوماسي العربي عن لبنان

باستثناء زيارةٍ شِبه سرّية لوزير خارجية العراق ابراهيم الجعفري لبيروت، لم يزُرها أحدٌ مِن نظرائه العرب منذ زمن سوى وزير خارجية مصر سامح شكري. وهو ما سجّل في الخانة الإيجابية لفكّ الحصار الديبلوماسي العربي عن لبنان. ولذلك ثمّة مَن يدعو إلى التريّث، فلربّما كان زائراً باسمه وباسم حلفائه الخليجيين، وفي هذه الحال النتائج المقدَّرة لن «تُدفَع كاش»؟!

يصرّ ديبلوماسي عربي معتدل على التروّي في قراءة النتائج المترتبة على زيارة شكري لبيروت. ولذلك فهو يرفض التشكيك بها وبما يمكن أن تؤول إليه، ويعتبرها وكأنّها لم تكن.

لأنّ ذلك يساوي في رأيه التسرّع في الحديث عن إنجازات لم يَرصدها أحد، بما فيها الديبلوماسية المصرية التي تدرك حجم العقبات والعوائق التي حالت دون طرح أيّ مبادرة مصرية في مثلِ الظروف القائمة في لبنان والمنطقة.

ويقول الديبلوماسي العتيق إنّ الخارجية المصرية تدرك أكثر مِن نظيراتها العربية حجمَ القدرات المتوافرة في هذا «الزمن العربي الرديء». فقد تفكّكت أنظمة وعروش وخسرَت بعض الدول مناعتَها الداخلية وتمزّقت واضمحلّت حدودها.

حتى إنّ أراضي البعض منها باتت مشاعات لجيوش وميليشيات العالم وخبرائها ومستشاريها العسكريين، في مواجهات داخلية جنّدت لها حملات التسلّح التي لو توافرَت إبّان المواجهات العربية – الإسرائيلية لتغيّرَت المعادلات في المنطقة ولم تتحوّل بعض دولها أوراقاً معروضة للتفاوض على طاولات الآخرين.

إنّ تعدُّد الحروب البينية التي لفّت العالم العربي عبرت عدداً مِن دوله منذ ثماني سنوات وترَكت تداعيات خطيرة ليس من السهل تجاوزُها على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية.

عدا تلك التي انكفأت بقدراتها الهائلة إلى الداخل لحماية أنظمتِها، فيما تورّطت أخرى في حروب خارج أراضيها على رغم معرفتها المسبَقة ببداياتها ويقينها بأنّ نهاياتها في علم الغيب. وذلك بمجرّد الفشل في فرض التسويات السياسية واللجوء إلى عسكرة مجتمعاتها وتوريط جيوشها النظامية في حروب داخلية فتفكّكت وتحوّلت ميليشيات تبحث عن حصص قوميّاتها وقبائلها وعشائرها وطوائفها.

ومِن دون التوغّل في توصيف ما آلت إليه الحال في الدول العربية والتي كانت موضوع جدلٍ في لقاء شهدَته إحدى المؤسسات الاستشارية في حضور ديبلوماسي عربي وخليجي موسّع، فقد تناولت المناقشات في جانب منها زيارةَ وزير الخارجية المصري، فتوقّفت أمام سلسلة من الملاحظات الدقيقة والتي يمكن الإشارة إليها كالآتي:

– لقد بلغَ سوء العلاقة بين القاهرة وعدد من العواصم المعنية بالملفّ اللبناني والأزمة السورية حجماً لم يشهده من قبل. وتراجعت العلاقات الديبلوماسية في ما بينها إلى الحدود الدنيا وساد توتّر ملحوظ مع بعضها عبّرت عنه حملات إعلامية وديبلوماسية متبادلة، ما قطع الطريق أمام أيّ تسهيلات يمكن ان تحصل عليها أيُّ مبادرة مصرية.

– تردّي العلاقات المصرية مع أطراف لبنانية ومنها ما استجدّ في الأيام القليلة الماضية، كما هي الحال مع النائب وليد جنبلاط، وانقطاع الاتّصالات مع حزب الله في ضوء الملاحقات القضائية لمجموعات الحزب ومعاقبة داعميه وزوّاره، بعد وضعِه على لائحة الإرهاب العربية والدولية، فوُضِعَ المشاركون المصريون في مؤتمراته بين خيارَي الإبعاد طوعاً أو السجن في الداخل واتّهِموا بالخيانة والمسّ بالأمن القومي.

– لا يمكن تجاوُز زلّة اللسان التي وقعَ فيها سفير مصر في بيروت عندما قال من على منصّة وزارة الخارجية إنّ هذه الزيارة تهدف إلى فكّ رموز الاستحقاق الرئاسي وإنهاء الشغور، وهو ما ترَك انطباعاً مسبَقاً عن الزيارة لا تدّعيه إدارته المركزية.

وفي مقابل هذه الملاحظات وغيرها، يلقي الديبلوماسي العربي مسؤولية كبيرة على بعض اللبنانيين. ويبدأ ممّا أدّت إليه سياسة التوسّع التي قادها «حزب الله» في أكثر من دولة عربية. فبَعد مصر وغزة تدخّلَ الحزب بأذرعِه العسكرية وخبرائه في اليمن والبحرين واكتشِفت له أدوار خطيرة في السعودية والعراق والكويت قبل تدخّلِه الكبير في سوريا في مواجهةٍ باتت بين الشيعة والسنّة لئلّا يقال بين الفرس والعرب.

ولا يعفي الديبلوماسي العربي وزيرَ الخارجية جبران باسيل من المسؤولية في نقلِه مظاهرَ التحالفات الداخلية لتيّاره إلى ساحة الجامعة العربية ومؤتمراتها، فعزّز بسلسلة من أخطائه الحصارَ العربي والخليجي الإقتصادي والديبلوماسي على لبنان وأفقدَه الدعمَ العسكري السعودي والإماراتي بعد المقاطعة الماليّة والسياحية شِبه الشاملة، وصولاً إلى إبعاد لبنانيين من دول الخليج.

ولذلك وصف اللقاء بين باسيل وشكري بـ«الفاتر» وعزّز من برودته ما سمّاه الديبلوماسي استغلالاً من جانب باسيل لمنبر تقاسَمه مع نظيره المصري للحديث عن كلّ ما يزعج مصر في الشكل والمضمون. فكان ردٌّ مختصَر لشكري اكتفى فيه بالعموميات وبالحديث عن زياراته لعددٍ مِن القادة اللبنانيين.

وبناءً على كلّ هذه المعطيات، يصرّ الديبلوماسي في حديثه على وجود نافذة ولو صغيرة على الأمل بما يمكن أن تفعله «أمّ الدنيا» مباشرةً أو بالواسطة.

وفي أسوأ الحالات لا يمكن الاستهانة بأنّه كانت لمصر الجرأة في فكّ الحصار الديبلوماسي العربي عن لبنان، ما يمهّد لمبادرات محتملة ولو ببطء الديبلوماسية السلحفاتية العربية، فمصر لم «تدفع يوماً كاش». ومَن يدري، لربّما فتحت الطريق أمام الديبلوماسية الخليجية وهو ما يقود إلى انتظار ما يمكن أن تأتي به الزيارة في وقتٍ لاحق. فلننتظر؟!