Site icon IMLebanon

هدية خجولة من أميركا تأخرت نصف قرن

بصرف النظر عن دوافع عدم إستعمال الإدارة الأوبامية «الفيتو» في جلسة مجلس الأمن يوم الجمعة 23 كانون الأول 2016 على مشروع قرار يطالب إسرائيل بوقْف الإستيطان، فإن الخطوة التي كانت دائماً مستعصية بسبب إستعمال أميركا «الفيتو» ضد أي محاولة تسوية أو قرار لا ترضى عنه إسرائيل، حدثَت.. وهذا هو المهم.

هل كان ذلك نوعاً من مكايدة الرئيس أوباما للرئيس الآتي بعده دونالد ترامب، بغرض إحراجه أمام إسرائيل، أم هو بغرض تبرئة خجولة للذمة من جانبه نحو قادة عرب ومسلمين مصدومين به لأنه أمضى سنوات ولايتيْه الرئاسيتيْن من دون أن يفي بوعود كثيرة أبلغهم إياها في لقاءات ثنائية أو في تصريحات وخُطب على الملأ.

وهل كان ذلك نوعاً من الإحراج للرئيس عبدالفتاح السيسي حيث أن مصر العضو في مجلس الأمن طلبت تأجيل التصويت على مشروع القرار الفلسطيني إستجابة للرئيس ترامب الذي دخل على خط المراوغة وتمنى على صديقه الرئيس السيسي سحْب المشروع من التصويت بذريعة أبداها ترامب للسيسي وهي أن التصويت سيجابَه بإستعمال «الفيتو» مِن جانب مندوب الإدارة الأوبامية عند التصويت عليه. ولمجرد إستجابة مصر لرغبة ترامب بادر أوباما على الفور ووجَّه بإمتناع مندوب أميركا عن التصويت وهي خطوة بين التصويت بالموافقة أو إستعمال «الفيتو»لإسقاط مشروع القرار. وما يعنينا هنا هو الإحراج الذي أصاب مصر من هذا التصرف خصوصاً أنها المرة الأُولى في مجلس الأمن التي تتحقق للقضية الفلسطينية فرصة الإنطلاق بالسعي الدبلوماسي من أجل إنجاز صيغة الحل المأمول وهو قيام دولة فلسطين عاصمتها القدس الشرقية.

ما كنا نتمناه هو أن تتصدر مصر كونها العضو غير الدائم في مجلس الأمن الحراك الذي يحقق المكسب النوعي للقضية الفلسطينية. وأياً كانت تفسيرات الدبلوماسية المصرية وبالذات رئيسها وزير الخارجية سامح شكري للذي حدث، فإنها لا تلغي المشاعر التي تركها الإنفراد اللافت المتمثل بإنسحابها من قيادة معركة التصويت على مشروع القرار، وكيف أن هذا الإنفراد أعاد إلى الأذهان إنفراد مصر السادات بعقد معاهدة مع إسرائيل برعاية الرئيس جيمي كارتر. وهنا يجوز بنسبة ما الربط بين تلك الدعوة التي وجَّهها كارتر إلى أوباما متمنياً عليه (كونهما من الحزب الواحد، الديمقراطي) إنجاز التسوية التي تقضي بقيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. وقد تكون خطوة أميركا أوباما المتمثلة بعدم إستعمال «الفيتو» للمرة الأُولى في تاريخ التصويت في مجلس الأمن على مشاريع قرارات لا ترضى عنها إسرائيل هي التلبية وفي اللحظة المناسبة لما تمناه كارتر. وهنا تجدر الإشارة إلى مصادفة التواريخ حيث أن الرئيس جيمي كارتر دعا يوم الثلاثاء 29 تشرين الثاني الرئيس أوباما إلى الإعتراف بدولة فلسطين قبل إنصرافه من البيت الأبيض يوم 20 كانون الثاني 2017 وأن مصر قدمت مشروع القرار مساء الأربعاء 21 كانون الأول 2016 وأرفقت ذلك بالدعوة إلى جلسة عاجلة للتصويت عليه في اليوم التالي (الخميس 22 كانون الأول) وأجرت لهذا الغرض إتصالات حثيثة لتأمين التصويت من جانب الدول الأربع عشرة الأعضاء في مجلس الأمن، وفي اليوم التالي (الخميس 22 كانون الأول) وبعد إتصال الرئيس ترامب بالرئيس السيسي متحايلاً عليه بأن المشروع سيسقط بإستعمال إدارة أوباما «الفيتو»، كانت المفاجأة الصاعقة وهي أن صاحبة المشروع سحبت مشروعها. وهي لو لم تفعل ذلك لكانت سجلت إنتصاراً سياسياً عربياً وفلسطينياً في منتهى الأهمية يبدد بعض الشيء من الذاكرة العربية سوداوية تداعيات معاهدة «كامب ديفيد». لكن الرئيس المنتَخب دونالد ترامب تَسبَّب للرئيس السيسي بما كان لا يتمنى حدوثه.. إلاَّ إذا كان ترامب بعد التسلُّم الرسمي سيهدي مصر السيسي ما يشكِّل تعويضاً معنوياً لما حدث.

يبقى القول إن الفعل المصري كان الثاني الأشد إيلاماً بعد الفعل الأول الذي كان مسرحه مجلس الأمن ويتعلق بالوضع السوري وكانت تداعياته أحد أسباب الأزمة السعودية – المصرية الصامتة التي لا يتوقف السعي الحثيث من جانب الكويت ودولة الإمارات من أجل ترطيب الأجواء وحلحلة الأزمة، وبحيث تكون القمة العربية الدورية في العاصمة الأردنية عمان يوم 28 آذار من العام الذي نستقبل إشراقته فجر يوم الأحد المقبل هي قمة تآلف القلوب العربية وبالذات قلوب المصريين والسعوديين. وفي ظل هذا التآلف يتواصل السعي العربي وبالإجماع من أجل توظيف الخطوة التي حدثت في مجلس الأمن خير توظيف. كما يكون الإنطلاق في التعاطي مع أميركا ترامب مبنياً على هذه الخطوة التي أصابت في الصميم نتنياهو وسائر أركان العدوان الإسرائيلي الذين لم يتصوروا أن أميركا يمكن أن تعتمد بعض الرشد أياً كانت الدوافع إلى إعتماده، وتفاجىء الأمتيْن ﺑ «هدية الفيتو» التي تأخرت نصف قرن من الزمن عربدت إسرائيل في سنواته كما لم تعربد دولة معتدية في تاريخ العدوان، مطمئنة إلى أن أميركا تحميها وتستر عورات تصرفاتها. ومِن محاسن الصدف أن «هدية الفيتو» تزامنت مع الأيام الميلادية التي تكثر فيها هدايا «بابا نويل».. مع ملاحظة أن «هدية الفيتو» سبقتْها ببضعة أيام من جانب «بابا نويل الأميركي الأوبامي » هدية بليونية تمثلت برفع حجم معونات أميركا سنوياً إلى إسرائيل من 2.3 بليون دولار إلى 3.8 بليون دولار وتسليمها طائرتيْن من طراز F35 «الشبح»البالغ الأهمية لكي تبقى على تفوقها حربياً على سائر دول المنطقة… ومع ذلك ولْوَلَنتنياهو وشتمَ إدارة أوباما، على ما يفعله هو والذين سبقوه من رؤساء بدءاً بالرئيس هاري ترومان لجهة عض الأيادي التي تمدهم بالمال وتحميهم بالسلاح وتبارك عدوانهم بين الحين والآخر وترفع «الفيتو» إزاء أي قرار يدين إسرائيل… تماماً على نحو «الفيتو» الذي بات مرتبطاً بروسيا عند عرْض أي مشروع تسوية للمحنة السورية كفيل بتحقيق حل أو حتى هدنة.. إلاَّ إذا كان هذا «الفيتو التوأم» لن يتكرر في ضوء الرسالتيْن الكثيرتيْ المغازي تلقَّاهما الرئيس بوتين: رسالة إغتيال سفيره لدى تركيا وبأسلوب لا علاقة له بالحزام الناسف وهذا ذروة التحدي فضلاً عن أن سفارات روسيا في عدد من دول العالم باتت مسوَّرة بالجدران الإسمنتية الواقية أبرزها سفارة روسيا لدى لبنان. ورسالة سقوط طائرة الترفيه عن الطيارين المستوطنين قاعدة في سوريا والذين يقتلون بصواريخ طائراتهم أرواحاً بريئة، ويتم التفكير بالترفيه في أيام روحانية تستوجب من مرتكبي الذنوب والإعتداءات والحروب الصلاة وطلب المغفرة خصوصاً في أيام ميلادية.

في أي حال، مشكورة هدية أميركا الأوبامية المتأخرة نصف قرن حافل بالمآسي في ديار الأمتيْن. وفي إنتظار أن تَستكمل أميركا ترامب الهدية بأحسن منها.

وكل سنة ونحن كعرب ومسلمين على ما هي حالنا كاظمي الغيظ متحملين الضيم داعين إلى الله الذي يمهل ولا يهمل أن ينظر في أمرنا.. وبالذات أمر إخواننا السوريين والعراقيين واليمنيين. والله مجيب دعوة الداعي إذا دعا.

فؤاد مطر