في الوقت الذي يغرق فيه لبنان في لجّة من المصاعب والهموم والازمات والعراقيل الداخلية والخارجية، والتي ظهرت بوضوح اثناء انعقاد «المؤتمر» العربي الاقتصادي في بيروت، والذي كشف مدى العقم العربي في حل مشاكله، ومدى اهتزاز التوافق الداخلي الذي لا يبشر ببناء دولة متعافية، وفي الوقت الذي يسير فيه تشكيل الحكومة سير السلحفاة المريضة، وفي الوقت الذي خفضت فيه وكالة «موديز» المالية تصنيف لبنان المالي الى درجة متدنية، بسبب ارتفاع الدين العام وعجز لبنان عن سداد ديونه، وعن تشكيل حكومة جديدة، يلاحظ اللبنانيون فتح معارك جانبية بين المكونات الطائفية، والاحزاب والكتل السياسية، بحيث ان احد النواب السابقين المخضرمين وصف الوضع الحالي لاحدى الزميلات بانه «اسوأ من ايام الحرب» كما يلاحظ ان هناك توترات شبه يومية تنشأ بين التيار الوطني الحر من جهة، وبين حركة امل، وتيار المردة، والحزب الاشتراكي، وحزب القوات اللبنانية من جهة ثانية، وشبه غموض في العلاقات بين التيار الوطني، وبين حزب الله وتيار المستقبل، التي تتراوح بين مقبولة الى غير ثابتة تبعاً لكل ملف مطروح.
احد القياديين في تيار المستقبل، لا يخفي ارباكه من وضع التيار التحالفي، ولا يعرف كيف يمكن لرئيس التيار سعد الحريري ان يوفق بين تحالفه وصداقته لحزبي القوات اللبنانية والاشتراكي وتيار المردة، وبين تفاهمه وتسويته مع التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون، خصوصاً بعد الحملات على نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان حاصباني، والشائعات التي تطول رئيس حزب القوات سمير جعجع، واغضاب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وشيخ عقل الطائفة الدرزية، وتخوف رئيس تيار المردة سليمان فرنجية من موافقة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة على اعطاء التيار الوطني الحر الثلث الضامن في الحكومة، الذي سوف يستعمله حتماَ ضد خصومه المسيحيين، كما ان فتح معركة اعادة سوريا الى جامعة الدول العربية، من قبل وزير الخارجية جبران باسيل، يلقى رفضاً قاطعاً من جنبلاط وجعجع ومن قواعد تيار المستقبل، ولا يعرف حتى الان كيف يمكن ان يكون عليه التوافق داخل الحكومة – اذا تم تشكيلها – في اجواء هذه التناقضات والخلافات، التي تحمل بذور فشل الحكومة قبل تشكيلها، خصوصاً في اجواء الانقسامات الدولية والعربية.
في هذه المناخات السياسية الملبدة، يعلن رئيس الجمهورية فتح معركة محاربة الفساد، الذي اصبح «حجمه هائلاً»، وتعهد بان يسمي الامور باسمائها، وهذه خطوة مباركة ومطلوبة شعبياً بشرط ان تكون بالاتجاه الصحيح، وليس ضد فئة جريمتها انها معارضة.