IMLebanon

صديق خان واللعبة الديمقراطية

ذكرني الجدل حول فوز صادق خان بمنصب عمدة لندن٬ بجدل مماثل سبق فوز باراك أوباما برئاسة الولايات المتحدة الأميركية. منتصف عام 2008 شاركت في ندوة للملتقى الثقافي الذي يرعاه الأستاذ نجيب الخنيزي في القطيف٬ قدمها د. شبلي تلحمي وهو باحث أميركي ­ عربي متخصص في أبحاث الرأي العام. تحدث تلحمي عن تحول في المزاج الأميركي قد يأتي بأول رئيس أسود للبيت الأبيض.

كنت قدمت للتو دراسة عن حركة الحقوق المدنية وزعيمها مارتن لوثر كنغ٬ ثم جماعة أمة الإسلام التي نشطت وسط المسلمين ذوي الأصول الأفريقية٬ وحركة الفهود السود ذات التوجه اليساري. ولهذا وجدت تلك الانتخابات مثيرة جًدا.

إشباًعا لفضولي٬ قرأت عشرات المقالات حول إمكانية فوز أوباما. فوجدت أكثرية الكتاب الإسلاميين والعروبيين هازئين بترشيح أوباما. وكتب بعضهم أنه مجرد تلوين» للوحة٬ لإخفاء حقيقة أن الفائز معروف سلًفا٬ وكي لا يقال إن منظمات الأعمال الخاصة بالبيض الأقوياء هي التي تحدد اسم الرئيس القادم.

الإسلاميون كتبوا أن ترشيح أوباما مع العلم بحتمية فشله٬ دليل على عبثية الديمقراطية وزيفها. وهذه الكتابات ما زالت موجودة على الإنترنت لمن أراد أن يراجع أو يقارن.

لعل كثرة ما قرأته في هذا السياق جعلني أتيقن فعلاً أن ترشيح أوباما كان مجرد محاولة أخرى لإقناع الأفارقة الأميركيين بالتسجيل في قوائم الناخبين٬ وليس بغرض الفوز فعلًيا. وهذا تكتيك استعمله القس/ السيناتور جيسي جاكسون الذي رشح نفسه مرتين مع علمه باستحالة فوزه.

أتيت إلى ندوة د. شبلي بهذه الخلفية. ولذا كان أول أسئلتي له: هل تصدق أنت شخصًيا٬ وبغض النظر عما تحب أو تكره٬ أن أوباما مرشح جدي٬ أي يحتمل فوزه ولو احتمالاً ضعيًفا؟

بدل التعليق على السؤال قرأ المحاضر من ورقة أمامه٬ ما خلاصته أن حملة أوباما جمعت حتى ذلك الوقت تبرعات بقيمة 400 ألف دولار٬ وجمع أقرب منافسيه ثلاثة أضعاف هذا المبلغ. وهو يعتبر في العرف الانتخابي٬ مؤشًرا عن حجم التأييد الذي يتمتع به كل مرشح. لكن في قصة أوباما عنصر مختلف. فجميع التبرعات تقريًبا جاءت عبر حملة على الإنترنت توجهت للشباب وربات البيوت وصغار الموظفين٬ الذين تبرعوا بدولارين وخمسة دولارات. منافسوه جمعوا مليوًنا ونصف المليون من خمسين متبرًعا٬ وجمع أوباما أقل من نصف مليون من خمسين ألف متبرع. هذا يعني أن الملتزمين مسبًقا بالتصويت له يزيدون عن منافسيه مئات الأضعاف.

يوم فاز أوباما٬ فهمت قيمة الآليات التي يملكها النظام الديمقراطي٬ والتي لا نعرفها إلا قليلاً. لقد نجح الرجل في استنهاض شريحة اجتماعية اعتادت البقاء في الهامش٬ وهي التي أوصلته إلى البيت الأبيض.

فوز صادق خان بمنصب عمدة لندن لا يرجع بالتأكيد إلى لونه أو دينه٬ ولا يرجع لتأييده حقوق المثليين أو تساهله مع اليهود. بل يرجع ببساطة إلى استيعاب الرجل لآليات اللعبة الديمقراطية وإمكاناتها.

الذين يريدون صادق خان ممثلاً للمسلمين سيخيب أملهم. فالفائز في الديمقراطية ممثل للجميع٬ من صوت معه أو ضده. فاللندنيون انتخبوا مديًرا لمدينتهم وليس داعية مسجد أو قس كنيسة.

مثل هذه الحوادث تطرح علينا تحدًيا ثقافًيا من زوايا غير مألوفة. إن أردنا فهمها فعلينا فهم الإطار الذي أنتجها. الركون إلى كلامنا المعروف والمكرر٬ لن يكلفنا  شيًئا سوى العجز عن استيعاب عصرنا. وهي كلفة بسيطة لمن هو في الأساس خارج هذا العصر أو زاهد فيه.