IMLebanon

حسابات صيداوية في صعود «الحالة الأسيرية».. وانتهائها

بينما استمرت المداهمات، أمس، في صيدا للأماكن التي يعتقد أن الموقوف أحمد الأسير لجأ إليها، وتوقيف عدد من الأشخاص المتهمين بالتعامل معه، ومن أبرزهم المدعو خالد أ. في محلة الوسطاني وتبين من التحقيقات الأولية أنه كان مكلفاً بمهام عسكرية وأمنية، كان النقاش في صيدا يترافق مع أسئلة عن مواقف وأدوار القوى السياسية في المدينة في مراحل صعود ظاهرة الأسير وانتهائها بمعركة عبرا ثم بتوقيفه.

تجمع الآراء ان القوى السياسية جميعها تخبطت في ما بينها منذ نشوء هذه الظاهرة بين مؤيد ومتردد ورافض لها، علما ان الاسير استدرجها جميعا الى المنازلة في الشارع .. لكن لم يتجرأ احد على مواجهته الا ببيانات سياسية، وترك امر معالجة تداعياتها العسكرية والامنية الى الدولة اللبنانية وقواها العسكرية كالجيش اللبناني.

لكن النقاش الدائر في المدينة يخلص إلى استنتاجات عديدة، وأحياناً متناقضة. من بين تلك الاستنتاجات ما يشير إلى استفادة الحريرية السياسية من جنوح الاسير وتطرفه، واستغلت هذا الغلو الانفعالي لتوجيه رسالة الى القوى السياسية الفاعلة في لبنان والقادرة على الساحة الجنوبية مفادها «اردتم ابعادنا عن الساحة السياسية كمعتدلين؟ هذا هو البديل».

لكن غاب عن بال الحريرية السياسية انها في هذا الموقف كانت كمن يلحس المبرد، لان الاسير عرف نقطة ضعفها وغرف من صحنها واخذ من جمهورها، وبعد تمكنه الشعبي راح يتهجم على الحريري كعائلة ونهج سياسي عدا عن انتقاده لمواقف «تيار المستقبل» وفق مبدأ عمل عليه الاسير عنوانه «خذ وطالب».

كانت قيادة «المستقبل» تدير الاذن الصماء للاسير ولمواقفه غير آبهة بانتقاداته، لانها ارادت استغلال مواقفه المتطرفة ضد خصومها.. حتى وصل الأمر الى ان احد الفاعليات المحسوبة على الحالة الحريرية، خاطب الاسير عندما دخل عليه في مسجد بلال بن رباح في مرحلة صعوده الاولى وتهجمه على السيد حسن نصرالله والرئيس نبيه بري: «أنت أسد السنّة في لبنان».

لكن الحريرية السياسية استفادت ايضا من مرحلة هبوط حالة الاسير وانتهاء معركة عبرا، اذ شكلت «دارة مجدليون» البيئة الحاضنة لمناصريه الموقوفين والمتهمين ولعائلاتهم، فاستقطبتهم ودافعت عنهم وشكلت لجاناً من المحامين للدفاع عن المتهمين والموقوفين منهم والمتوارين عن الانظار…

وبعد الانتهاء من اعادة اعمار وترميم ما خلفته معركة عبرا، تبنت النائب بهية الحريري عملية الترميم وعودة اهل المنطقة، وانقضت على ما تبقى من هذه الظاهرة ومدت يد العون والمساعدة الى القوى الامنية ومخابرات الجيش واعلنت رفع الغطاء عن اية شبكة او شخص ينتمي الى هذه الحالة الاسيرية، وقدمت الى الجيش اللبناني الضوء الاخضر، كما ساهمت بتقليص دور وحجم وتأثير مسجد بلال بن رباح في محيطه من خلال وضعه تحت تصرف وإدارة دار الافتاء.

في المقابل، كان «التنظيم الشعبي الناصري» المتضرر الاول من نمو ظاهرة الاسير كحالة اسلامية سلفية متطرفة، إذ ان هدفها كان نزع تسميات كـ «عاصمة للجنوب» او «عاصمة المقاومة» او «مدينة العروبة»، عن صيدا.

كان الاسير في تلك المرحلة يستدرج خصومه في كل يوم الى الفتنة في صيدا عندما كان يتهجم دائما على «الناصري» وعلى «حزب الله» و «حركة أمل « و «المقاومة».. الا ان قيادة «الناصري» كانت تطلب دائما من الدولة ومن الجيش انهاء حالة الاسير وعدم التراخي امامه.

ويرى كثيرون انه كان في امكان «الناصري» ان يبادر ويتعامل مع الاسير بالمثل على طريقة «العين بالعين والبادي اظلم»، وان يحشرالدولة بأجهزتها وقواها ويفضح المتخاذلين والمتواطئين والمتورطين من اجهزة وقوى سياسية..

لكن قيادة «الناصري» كانت تصر على «ان انهاء حالة الاسير مطلوبة من الدولة وليس من قبل فريق سياسي محلي».

أما «الجماعة الاسلامية»، فقد شكلت ظاهرة الاسير منافسا قويا لها وندا واعدا على الساحة الاسلامية في صيدا.. ومع ذلك بدت «الجماعة» وكأنها تتقبل حالة الاسير على مضض.

كانت «الجماعة» تشكل على الدوام المستقطب الاول للاسلاميين.. حتى ظهور الاسير كحالة اسلامية سلفية سياسية منافسة لها.. وهذا ما أدى الى صراع خافت برز بينهما لم يظهر الى العلن الا مرات قليلة، وبرز الصراع على الجمهور في مرحلة الاستقطاب السياسي على خلفية دعم «المجاهدين والاحرار والثوار في سوريا».

أما في مرحلة هبوط حالة الاسير، فقد استفادت «الجماعة» من هذه المرحلة وشكلت هي ايضا حضنا دافئا لمناصريه الذين لم يشتركوا في المعركة، كما تصدت الى حملة الدفاع عن المتهمين والموقوفين من حركته.