Site icon IMLebanon

صيدا تتمسّك بسمائها الزرقاء… طلّة بهية وتفاؤل سعودي

شكّلَ جنوب لبنان المحطة ما قبل الأخيرة للانتخابات النيابية والاختيارية، وتحوّلت الأنظار إلى بوّابة الجنوب، قضاء صيدا، الذي يضمّ نحو 109 آلاف ناخب، موزّعين على 42 بلدة. إختلفَ المشهد الانتخابي من بلدة إلى أخرى، مجالس صيداوية معدودة فازت بالتزكية، وفي الأغلبية تبارزَت العائلات، أمّا في مدينة صيدا فكانت المعركة الأشرس حيث تداخلَ الإنماء بالسياسة، وكانت المنافسة المستعِرة بين ثلاث لوائح: «إنماء صيدا» و»صوت الناس»، و»أحرار صيدا» غير المكتملة، حيث تنافسَ 50 مرشّحاً على 21 مقعداً بلدياً. وقد بلغَت نسبة الاقتراع 44.5 في المئة، مع بروز «إنماء صيدا» في الطليعة ليلاً.

على عكس «الدَق الحامي» بين أبو أحمد وأبو عباس اللذين جمعتهما طاولة الزهر باكراً، في إحدى المقاهي، باردةً بدت حركة المقترعين الصيداويين عند الصباح. معظم الأحياء هادئة، حتى إنّ الباصات شِبه خالية، تسير ذهاباً وإياباً على طول الخط المقابل لمبنى البلدية، كمَن «يكيّل الطريق»، من دون راكب «يفِش خلق» السائقين.

وحدها الخيَم التي زرعها المندوبون في بعض الأحياء، محطة ثابتة لهم يُروّجون من خلالها لمرشّحيهم، نجَحت في كسر الهدوء، وخلقِ حركة بين المارّة.

فبدَت خيَم لائحة «إنماء صيدا» المدعومة من تيار «المستقبل» و«الجماعة الإسلامية» والدكتور عبد الرحمن البزري، جديدة الطراز، تعجّ بالمندوبين الذين ارتدوا قمصاناً بيضاء دُوِّن عليها بالأزرق إسم اللائحة، وكانوا منظّمين بدرجة عالية وأحسَنوا توزيع الأدوار في ما بينهم، فيما مندوبو لائحة «صوت الناس»، المدعومة من «التنظيم الشعبي الناصري» واللقاء «الوطني الديموقراطي» توزّعوا بأعداد ضئيلة، تحت شَماسي البحر، منهم مَن لبسَ القميص الأبيض وقد دوّن عليها بالأحمر إسم اللائحة، ومَن اشتكى بأنّها ضيّقة عليه، إكتفى بأن يضعَها على كتفه، أمّا مندوبو «أحرار صيدا»، المدعومة من علي الشيخ عمّار ومناصري أحمد الأسير، فكان البحث عنهم كعود ثقاب بين كومة قشّ.

«نارة يا ولد»

يبلغ عدد المسجّلين على لوائح الشطب في مدينة صيدا 66 ألف و370 مقترعاً، وتدريجاً بدأت نسبة المقترعين تتقدّم. بدايةً اعتبَر البعض أنّ الأوضاع الأمنية أثّرَت في حماسة المقترعين، نتيجة العثور صباحاً على عبوة وهمية في متوسّطة الشهيد معروف سعد، ملفوفةٍ بورق هدايا ومربوطة بساعة توقيت، قبل أن يفكّكها الجيش.

وحدَه بائع القهوة السبعيني كان له تفسير مغاير: «إذا الصيداوي ما قطّع نفَس أركيلي ما بيمشي نهارو»، وفي نظرةٍ سريعة على المقاهي بدت الحركة فيها أنشَط من المراكز، حتى إنّ بعض المندوبين أحضَر النارجيلة إلى الخيمة على الرصيف.

الحريري

بدأت تتسلّل الحماوة إلى مراكز الاقتراع مع وصول الشخصيات الرسمية للإدلاء بأصواتهم. فعند التاسعة صباحاً وصلت النائب بهية الحريري (رقم القيد 17) إلى ثانوية المرجان، وقد حرصَت على إلقاء التحيّة على الطريقة اللبنانية «3 بوسات» من أصغر موظف إلى أكبرهم، مردّدةً بحماسة: «صباح الخير، يعطيكم العافية». وتسأل «أبو زاهر» عن صحّته فيجيبها: «زَي ما هيّي»، وأبو غسان عن عائلته، فيبادرها «الله يقوّيكي».

وبعد إدلائها بصوتها، أعربَت الحريري لـ»الجمهورية» عن اطمئنانها لمسار المعركة، قائلة: «أتيتُ لأمارس حقّي، ويسعدني مشهد إقبال الصيداويين للانتخاب بكلّ هدوء، وممارسة حقّهم الديموقراطي، هذه صيدا التي نعرفها ونريدها».

ورفضَت الحريري توصيف الواقع بالمعركة، قائلةً: «لسنا أمام معركة إنّما استحقاق انتخابي ذات طابع إنمائي، وثقتي كبيرة بأهل المدينة بأنّهم سيرفعون إسمها عالياً». وعن توقّعاتها للنتيجة، قالت: «أيّاً يكن الفائز سنتعاون لإنماء صيدا».

السنيورة

سرعان ما انتقلت الحماسة من ثانوية «المرجان» إلى الشارع المحازي لها، وتحديداً إلى ثانوية الدكتور نزيه البزري حيث حضَر رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة للاقتراع، ونظراً إلى أنّ رقم القيد 30 دخلَ غرفة رقم واحد التي تضمّ أرقام السجلّات من 1 إلى 88.

وما إن دخلَ حتى علا التصفيق وانقطعَ التيار الكهربائي، إلّا أنّ رئيس القلم بقي ينادي بالوتيرة نفسها: «فؤاد عبد الباسط السنيورة». حالُ الفوضى أثارَت إنزعاج إحدى مندوبات «صوت الناس»: «يا عمّي طوّل بالك مِش عم نسمَع شي».

فلاذَ الجميع بالصمت مطلِقين العنان للتصفيق. وعلى هامش اقتراعه، تحدّثَ السنيورة لـ»الجمهورية»: «أقول للصيداوين ولجميع اللبنانيين، بقدر ما أنّ المشاركة في الانتخابات حقّ، فهي واجب، وبالتالي على الجميع المشاركة لكي لا يُصادَر رأيُه»، مؤكّداً «أنّ غداً (اليوم) نهار جديد، بصرفِ النظر عن النتيجة، وعلى أهل صيدا أن يبقوا متضامنين لخدمة مدينتهم».

تدابير أمنية استثنائية

تزامُناً مع تقدّمِ وتيرة الاقتراع، تضاعفَت التدابير الأمنية على المستديرات الرئيسة في صيدا، والأحياء المؤدّية لها، ملّالات، دبّابات بقيَت تَجول طوال النهار، بالإضافة إلى حواجز ثابتة وأخرى متنقّلة.

إنتشار كثيف للجيش أرخى الاطمئنان في قلوب أهل المنطقة، ومنعَ حصول أيّ خلل أمني يُذكر، «يا عمّي الرمل وغربلتو اليوم»، تصرخ الحجّة من نافذة سيارتها وهي تنظر إلى أرتال السيارات عند تقاطع ساحة النجمة.

معظم المقترعين الذي أدلوا بأصواتهم للائحة «إنماء صيدا»، توجّهوا إلى فيلّا شفيق الحريري، التي تحوّلت إلى ما يشبه مطبخاً سياسياً، لتلاقي الصيداويين وتبادلِ آرائهم في صالونات الفيلا وباحاتها.

وبينما كان يَجول الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري على الحاضرين، توقّعَ عبر «الجمهورية» «أن تبلغَ نسبة الاقتراع 45 في المئة، فإنجازات رئيس البلدية السعودي «بتحكي عنو»، ولا بدّ أن يقترع الصيداويون وفاءً لإنجازات البلدية وما حقّقته».

وأضاف: «الأهالي على نسبة عالية من الوعي، والشعارات الفارغة ما عادت تبهرهم، فهُم يبحثون عن الأعمال الواقعية والإنجازات الفعلية»، مشيراً إلى «أنّ المعركة إنمائية لا تخلو من السياسة، ويدُنا ممدودة لكلّ مَن يريد الخير لصيدا».

السعودي… متفائل

ومع حلول ساعات الظهر انخفضَت نسبة الاقتراع، فمعظم الصيداويين انشغَلوا بالغداء. وحده رئيس لائحة «إنماء صيد» محمد السعودي الذي كان أوّل المقترعين، قرابة السابعة صباحاً، لم يعرف لحظة راحة، وفي خضَمّ جولاته المكّوكية، كان لـ«الجمهورية» حديث خاص معه. فقال: «في العمل البلدي يطغى الإنماء، وتقف السياسة عند الباب خارجاً، فالبلدية لجميع أبناء صيدا».

وأضاف: «إذا دخلنا المجلس، فالاثنين يوم عمل وانفتاح، بابُنا مفتوح للجميع». إستكمالُ المرفأ التجاري، تحديث ميناء الصيّادين غيضٌ من فيض المشاريع التي يعِدّ لها السعودي، مؤكّداً: «نحن الذين نقرنُ الخطة بالتنفيذ ومتفائل بالفوز».

وبعد الظهر استعاد الصيداويون نشاطهم بتشجيع من المندوبين ومواكب سيارات تصدح بالأغاني إلى أن أقفلت صناديق الاقتراع عند السابعة . وليلاً أعربَ منسّق عام تيار المستقبل في الجنوب الدكتور ناصر حمود لـ«الجمهورية» عن تفاؤله: «أرقام ماكينتنا الانتخابية مطَمئنة ونسبة الاقتراع لامست توقّعاتنا، 45% نسبة مشجّعة، والصيداويون قالوا كلمتهم».

وقبل صدور النتائج الرسمية، توجّه ليلاً الرئيس سعد الحريري إلى صيدا وقال: «مبروك لصيدا بهذا العرس الديمقراطي، وإن شاء الله نرى صيدا كما أرادها الرئيس رفيق الحريري».