IMLebanon

صيدا لأهلها» أم صيدا عاصمة الجنوب؟

تبدو مدينة صيدا اليوم أمام مفصل سياسيّ جديد. فإما أن تجدّد للنهج الذي أجبرها على الانطواء على نفسها، أو أنها ستختار الانفتاح على جوارها. وشعار الانفتاح على الجوار حاضر بقوة في المدينة، إلى درجة أن من رعى أسباب «الانطواء» رفع لواء «المصالحة»

في الانتخابات البلدية عام 2010 في بوابة الجنوب، كان شعار اللائحة المدعومة من تيار المستقبل وحلفائه «صيدا لأهلها». صوّت للشعار أكثر من 19 ألف صيداوي. بلدية «أهل صيدا» خسرت رئاسة اتحاد بلديات صيدا ــ الزهراني.

بعض بلديات الزهراني حررت نفسها واستحدثت لنفسها اتحاد ساحل الزهراني. ظاهرة أحمد الأسير وتضامن كثير من الصيداويين معها، ولا سيما المتمولين والتجار، دفع أهالي الجوار إلى دعم شعار «صيدا لأهلها». جنوبيون كثر كانت أسواق صيدا ومطاعمها وملاهيها، قبلتهم، قاطعوها وانكفأوا إلى مناطقهم. أحد أصحاب المحال في صور رفع لافتة تقول: «شكراً أحمد الأسير»، في إشارة إلى الازدهار الاقتصادي الذي عم النبطية وصور والزهراني، بعد مقاطعة صيدا.

«طلعت الصرخة» بعد معركة عبرا، بعدما تبين أن صيدا لأهلها وبأهلها فقط، خسرانة. اقتنع الكثيرون بضرورة مصالحة أهل الجوار بهدف استرجاعهم إلى حضن الأسواق والمطاعم التي أقفل عدد منها. الاستعراض التاريخي في ذاكرة الصيداويين عزز ذلك التوجه. خلال حرب تهجير المسيحيين في الثمانينيات، دفعت صيدا الثمن بعد قطع أوصالها مع امتدادها الطبيعي نحو شرقي صيدا. وبسبب التراخي مع الأسير، قطعت أوصالها مع امتدادها الطبيعي جنوباً. لائحة «صوت الناس» وضعت ضمن أولوياتها «إعادة ثقة الجوار بعاصمة الجنوب». في خطوة استلحاقية، أدرج رئيس لائحة «صيدا إلى الأمام» محمد السعودي بند المصالحة مع الجوار في برنامجه الانتخابي.

أما التيار الوطني، فله المصالحة مع الذات. في المدينة الوحيدة التي تمردت على إمبراطورية رفيق الحريري عام 2004، مطالبة باستعادة ملامحها. قائد «صوت الناس» رئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد يطلق تعهدات تغييرية جديدة تستنهض صيدا معروف سعد. انتخابات الأحد «جزء من مسيرتنا المستمرة لتغيير الأوضاع في لبنان نحو الأفضل على كل المستويات». يرى فيها «محطة أساسية لتزخيم المسيرة النضالية. وفي حال حققنا الفوز بالمجلس البلدي، نكون قد حققنا قيمة تغييرية مضافة. وفي حال خسرنا نكون قد دعمنا المسيرة بخبرات وطاقات جديدة».

ليست المرة الأولى التي يطلق فيها التيار الوطني وعوداً بالتزخيم. يصدق أحياناً ولا ينجح أحياناً أخرى. لكن هذه المرة مختلفة. تسري حماسة استثنائية بين فئات كانت خاملة ومتراخية في السنوات الماضية. لعبت الحملات على الوتر الإنمائي والمعيشي. أما السياسة التي تفرّق فـ»لاحقين عليها». اختيار مرشحين من طينتها (عمال ونقابيون ومدرسون ومهندسون) أيقظ الجماهير وحفزها. تضاف المتغيرات السلبية التي طاولت صيدا في عهد بلدية تيار المستقبل وحلفائه. يقول سعد: «مقارنة صغيرة بين حال صيدا قبل تسلم البلدية الحالية وما بعدها، يظهر التراجع والخسارات المتلاحقة وطنياً وجنوبياً واقتصادياً واجتماعياً». وعن إنجازات البلدية التي تعتد بها، ولا سيما إزالة جبل النفايات، يلفت سعد إلى أن تلك المشاريع وضعتها البلديات السابقة، لكن الفريق السياسي الراعي للبلدية عرقل تنفيذها في ذلك الوقت. وعندما سمح بتنفيذها، شابتها مخالفات عدة.

ينبري سعد ومرشحو «صوت الناس» لاستعراض مساوئ المشاريع المنفذة. أين كنتم قبل وخلال تنفيذها؟ «كنا نسلّط على الأخطاء من خلال مواقف ووثائق، لكن لم يكن هناك تفاعل من البلدية ولا من الناس باستثناء الحراك لمنع دخول النفايات من خارج صيدا». يتساءل:» ماذا نستطيع أن نفعل أكثر من توضيح المخالفات عندما تكون الناس مقتنعة بأنها جيدة؟»

الاعتراض النظري أصبح من الماضي. حان وقت العمل من البلدية أو من خارجها. يراهن سعد على الفوز بسبب نقاط القوة التي تتمتع بها «صوت الناس». «تشكيلة الأعضاء الجديدة والخارجة عن المألوف بالشكل والمضمون والمنهج وبرنامجنا ملتصق بقضايا الناس ومشاكلها وهمومها اليومية ورؤيته مختلفة للمشاريع الكبيرة وخدمة الناس». الجذور القوية للتيار الوطني في بوابة الجنوب قوية وصدقيته جعلته يتحدى قوى السلطة المختلفة.

نقاط الضعف لدى الخصم مكشوفة: «نسب البطالة وكساد السوق ارتفعت، والمدن الصناعية والنشاط الثقافي والفني تراجع وموقع المدينة كثالث مدينة في لبنان وكعاصمة الجنوب انتفى». ليس الحق حصراً على أحمد الأسير. «الفريق السياسي الراعي للبلدية هو الراعي لمثل تلك الظواهر لخدمة مشروعه السياسي».

أي مشهد سيتكرر، انتصار 2004 أم هزيمة 2010؟ يؤكد سعد أنه في الحالتين «كسبانين. في حال حققنا الفوز الكامل لأعضاء اللائحة وفي حال حققنا فوزاً جزئياً أو خسرنا كلياً فسوف نستمر بصيغة مناسبة ضمن لجان التغيير ومراقبة عمل البلدية».

وليد العاصي: المواطن في دولة صيدا

من حي النقابات، خرج مرشح «حركة مواطنون ومواطنات في دولة» وليد العاصي. أحد مؤسسي نقابة عمال الحدادة والميكانيك وأمين سرها وعضو اتحاد عمال الجنوب. لا يتبجح بشهاداته، بل بسجله الحافل بالنضالات النقابية والسياسية وفي ميادين مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. الناشط السابق في الحزب الشيوعي اللبناني، لم يندمج في لائحة صوت الناس برغم تداخل برنامجه الانتخابي ببرنامجها. لا يأسف العاصي لعدم خوض التيار الوطني في صيدا ورئيس الحركة شربل نحاس الانضمام إلى تحالف انتخابي واحد. بقاء العاصي في «الانفرادي» في ظل اكتمال لائحة «صوت الناس»، تسبّب بالإحراج لأصدقاء الطرفين الموجودين معهم في خندق واحد. لكن زميل الدراسة لمصطفى سعد يقول: «أنا أكمل لائحة صوت الناس ولا أتعارض معها. وبعض المرشحين تربطني بهم استحقاقات نضالية وحياتية». لا يتوقع الفوز بالانتخابات. «الأهم التعبير عن برنامج الحركة وإلغاء إلزامية التخندق في أحد الخندقين في صيدا».