Site icon IMLebanon

هل يجرؤ العرب على كسر حصار سوريا؟

 

عند وقوع أزمات كبرى، يظهر الحجم الفعلي لبلد كلبنان. حتى لقاء باريس الخماسي، أول من أمس، الذي كان مخصصاً لمناقشة الملف اللبناني، تحوّل في جانب منه إلى البحث في التطورات العاجلة في المنطقة جرّاء الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا فجر الاثنين، بعدما أظهرت عمليات الإنقاذ هول الكارثة. تركيا، الدولة التي يتعامل معها العالم كقوة إقليمية كبرى، تحتاج أمام هذه المأساة إلى المساعدات التي تتدفق عليها، فيما يعي العالم جيداً أن سوريا المنهكة والمحاصرة أكثر احتياجاً إلى دعم شامل ومستدام.

 

في لبنان، لم يكن متوقعاً من مسؤولين لا يهتمون لأحوال شعبهم أن يبادروا إلى خطوات نوعية تجاه الشعب السوري. فهؤلاء، كالعادة، يعملون تحت الضغط الخارجي، الأميركي تحديداً. وليس متوقعاً ممن لم يخض معركة الحصول على استثناء من العقوبات الأميركية لاستجرار الغاز المصري أو يجرؤ على قبول هبة إيرانية غير مشروطة، أن يبادر إلى خطوات واضحة لمساندة بلد شقيق، قدم الكثير لنا إنسانياً وسياسياً.

الجاحدون والفاشيون فقط هم من يسيّسون أي خطوة إزاء كارثة إنسانية كالتي أصابت الشعب السوري. هؤلاء، ممن يعيشون بيننا أو ينتشرون في العالم، لا يمكن إلا احتقار من يتحدث منهم عن نظام وشعب وعن موالاة ومعارضة، عندما يقارب مسألة الدعم الذي تحتاجه سوريا في هذه المحنة.

 

احتاجت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إلى صوت مرتفع حتى تقوّي «ركابها» وتقرر إرسال وفود أو مساعدات، علماً أن لهذا الأمر رمزيته. فيما القرار الذي يمكن أن يتخذه لبنان، ويشكّل فارقاً بالفعل، هو فتح المعابر اللبنانية أمام كل أشكال الدعم المتوجهة صوب سوريا، ورفض الإذعان لكل أنواع الضغط والترهيب والعقوبات التي يرفعها الغرب الأميركي – الأوروبي. مثل هذه الخطوة من شأنها المساعدة على تسهيل تقديم مساعدات كبيرة لسوريا، من قبل أشخاص أو جهات أو مؤسسات لا تريد الخضوع للعقوبات الأميركية، ومستعدة لتقديم الدعم عبر لبنان.

عربياً، يبدو أن تطوراً ما حصل، تمظهر في الحركة السياسية التي بدأها رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، بإبلاغه الجانب الأميركي قراره إرسال مساعدات مباشرة عبر مطار دمشق، قبل أن يتبعه قرار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إطلاق حملة تبرعات يذهب قسم منها إلى سوريا، إضافة إلى برنامج دعم من الحكومة السعودية نفسها.

وبحسب المعطيات، يناقش بن زايد مع الجانب الفرنسي المبادرة إلى استعادة التواصل مع سوريا من الباب الإنساني تمهيداً لما هو أكثر. وهو أثار ذلك في اتصال مع الرئيس إيمانويل ماكرون، ونُقل أن الأخير لم يرفض الفكرة من حيث المبدأ، وهو وإن حاول إعطاء الأمر بعده الأخلاقي والإنساني، إلا أن القرار النهائي يبقى رهن أمور كثيرة، تبدأ بالموقف الأميركي ولا تنتهي عند صقور الفاشيين في الإدارة الفرنسية. فيما المهم الآن مراقبة نشاط عواصم عربية كالجزائر والقاهرة وأبو ظبي والرياض، للبحث في إمكانية اختراق الجمود بما خص الملف السوري عبر مدخل المساعدات الإنسانية لمواجهة أعباء الكارثة، وفتح الباب أمام مراجعة تعيد ربط سوريا بالعالم العربي بشكل طبيعي، وإنهاء القطيعة التي قامت من قبل متآمرين دمروا سوريا وهجروا أهلها.

 

طبعاً، لا يجب توقع الكثير من النتائج. لكن من المهم أن يتصرف العرب بقليل من الشهامة والأخلاق الإنسانية. ومن يعتقد أنه يمكن ترك سوريا تموت بعد كل ما أصابها، يقوم بفعل سياسي واضح ينم عن حقارة غير مسبوقة. فيما الأبواب مفتوحة اليوم أمام من دعموا مؤامرة تدمير سوريا للتصرف بمسؤولية ولو من الباب الإنساني. والتحدي نفسه يواجه دولاً قادرة مادياً مثل قطر، إضافة إلى عواصم غربية لا يمكنها الاختباء خلف مليون يورو قرّرت ألمانيا دفعها للمتضررين من الزلزال أو قدر هزيل من المساعدات قدمتها فرنسا عبر منظمة أطباء بلا حدود. بينما تشير معطيات واردة من العاصمة الفرنسية إلى أن عملاء الغرب من المعارضين السوريين يحذرون السلطات الأوروبية من تقديم الدعم إلى مناطق تقع تحت سيطرة النظام، ويطالبون بإحياء «الخوذات البيض» التي لا تعدو كونها مجموعة من المرتزقة تعمل لدى الاستخبارات الغربية وتمدها بمعطيات ذات طابع أمني، أو عبر منظمات غير حكومية أقامها أرباب المعارضة السورية ويعيشون على حسابها.

 

ولعل من «حسنات» الكارثة أنها كشفت المزيد من العنصرية التي تتحكّم بالغرب تجاه منطقتنا كلها، وليس سوريا فقط، وبما يتخطى كل الحدود، إلى درجة نشر صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية رسماً كاريكاتورياً للدمار في تركيا، مع تعليق: «لسنا بحاجة حتى إلى إرسال دبابة»، ما يعبّر عما يتمناه هؤلاء لكل الدول العربية والإسلامية والفقيرة في العالم، وعن عقلية فاشية واستعمارية لا تفارق أذهان هؤلاء ومخيلاتهم.

وإذا كان أحد يتوهّم باستخدام الكارثة لابتزاز الدولة السورية من أجل تقديم تنازلات سياسية مقابل الدعم، فإن الأخبار الواردة من دمشق تؤكد أن على من ينتظرون من الرئيس بشار الأسد أن يخرج إلى المنابر مستجدياً أو ليتلو فعل الندامة، استعادة سنوات انتظار استسلام الأسد يوم وصل مرتزقتهم إلى مشارف دمشق!