IMLebanon

مخاطر كبيرة لتفاؤل حذر

أن يتحدّث مرشد الثورة الايرانية السيد علي خامنئي بتفاؤل عن الاتفاق النووي مع الدول الست فهذا ليس بكلام عادي، لا بل إنّه يأتي في اطار التأكيد أنّ السواد الاعظم من هذا الاتفاق متوافقٌ عليه، بدليل التسويق «الرسمي» الايراني له في الداخل على أنه يشكل انتصاراً، وأنّ إيران أصبحت أكثر أماناً، وأنها دخلت نادي الدول النووية للأغراض السلمية.

هذا الكلام على أهميّته لا يختصر الاشارات البليغة الى حصول هذا الاتفاق والبدء بتحضير الساحة الشرق اوسطية له.

ففي العراق، الساحة الأهم بالنسبة الى المصالح الايرانية، حركة اميركية اقوى على خط احتواء تمدّد «داعش» تمهيداً لضرب هذا التنظيم. وهكذا «نجحت» واشنطن فجأة في إقناع العشائر السنّية بالانضمام الى الحرب ضد «داعش»، وبدأت المجموعات القتالية السنّية والتي أشرَف الجيش الاميركي على تدريبها، تنتظم في ساحات القتال.

وفي موازاة ذلك، تفاهمت الحكومة العراقية الموالية لإيران فجأة مع السلطات الكردية في كردستان على تقاسم العائدات النفطية للمناطق الواقعة تحت سلطة الاكراد، وكان لواشنطن الدور الاساس في إنجاز هذا التفاهم.

كلّ هذه الايجابيات التي ظهرت فجأة واكبتها انفراجات أخرى على الساحة السوريّة، فتولّت موسكو دور المبادرة في إعادة منح الرئيس السوري بشار الأسد جانباً من الشرعية الدولية. بالتأكيد تبقى هذه الخطوة ضعيفة دولياً إلّا أنها تعتبر بداية جيدة، خصوصاً أنّ روسيا تحاشت طوال هذه الحرب أيّ خطوة يمكن تفسيرها في هذا الاطار، وفصلت بين الدعم العسكري وتأكيد شرعية الاسد على رأس النظام.

خطوة تعمّدت واشنطن عدم التعليق عليها بما يعني أنّ «السكوت هو علامة الرضى»، فيما مصر الرئيس عبد الفتاح السيسي التي تحظى بدعم سعودي مطلق وعلاقات مميزة ولو غير ظاهرة مع واشنطن، تتوغل اكثر في خيارها الداعي الى التعاون والتنسيق مع النظام السوري في مواجهة المتطرّفين والاسلاميين.

والملف السوري حاز على اشارات اقوى وأكثر بلاغة مع إقالة وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل. صحيحٌ أنّ لهاغل مشكلات كثيرة مع البيت الابيض بسبب استبعاده عن الفريق المحيط بالرئيس باراك أوباما والذي يصنع القرار، إلّا أنّ التعارض في الرؤية حيال مستقبل النظام السوري أدى الى اقالته، حيث يرفض البيت الابيض ضرب النظام، أقله الآن.

وأُتبع ذلك بكلام صريح عن رفض واشنطن إقامة منطقة عازلة شمال سوريا، وهو المشروع الذي ما برحت تركيا تنادي به ما دفع رئيسها رجب طيب أردوغان الى رفع سقف هجومه على سياسة واشنطن، وهو الذي يراقب بقلق وتوجّس خفايا التفاهم الاميركي – الايراني، والذي يُهدّد مصالح تركيا ويقوّض طموح حزبه في الشرق الاوسط.

وفي تزامن ليس ببريء، صوَّت مجلس النواب الفرنسي لمصلحة الاعتراف بدولة فلسطينية، فاتحاً بذلك الصفحة الثانية في مشروع ترتيب الشرق الاوسط، ما يوحي بإنجاز التفاهم الاساسي مع إيران.

تصويت فرنسا رافقه ارتفاع سخونة النقاش الاسرائيلي الداخلي، ما أدى الى إقالة وزيرَين وايصال البلاد الى انتخابات مبكرة، تراهن واشنطن من خلالها على وصول معتدلين يوافقون على السير في مشروع الدولتين (ما يعني لاحقاً اضطرابات في الاردن تمهيداً لتقسيمه)، وتعديل قانون الانتخاب ليصبح وفق النظام الاكثري بدلاً من النسبي، ما يتيح تأليف حكومات من دون حصول ائتلافات واسعة ما يقف حائلاً امام اتخاذ قرارات حاسمة.

وفي لبنان، دخولٌ حذِر ولكن جدي في اتجاه حوار بين تيار «المستقبل» و»حزب الله»، هو اشبه بتفاوض بين السنّة والشيعة لترتيب المرحلة المقبلة انسجاماً مع المناخ الاقليمي. ولن تقف الامور في لبنان عند هذه الحدود. فالضغط الدولي سيبدأ بالظهور وربما تصاعدياً، وسيواكب الحوار الداخلي على أمل دفع الامور الى الامام.

فعدا عن أنّ السعودية وإيران ستكونان الجهتين الخفيَتين المشاركتين في قاعة الحوار، ستبدأ الحركة الخارجية تجاه لبنان. الديبلوماسي الروسي البارع ميخائيل بوغدانوف سيعود الى لبنان تحت عنوان السلاح الروسي من الهبة السعودية، لكنّ مضمون لقاءاته التي ستشمل قيادة «حزب الله»، ستذهب الى أبعد.

كذلك فإنّ الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو سيسعى الى الاستماع لخريطة طريق الحوار الموضوعة، وسيُركّز اهتمامه على ملف رئاسة الجمهورية، ولو ليس بالمقدار الكافي في المرحلة الاولى، كون الرئيس المقبل سيكون نتيجة تفاهم على المرحلة بكاملها، او هكذا يُفترض أن يكون. فيما يستعدّ الفاتيكان بدوره للضغط عبر قنواته الجانبية، ولكن المؤثرة، على الاطراف المسيحيين لتدوير الزوايا.

في وقتٍ سيسعى السفير الاميركي ديفيد هيل والخبير في الملف الفلسطيني الى المزاوجة بين الحوار اللبناني الداخلي واستعادة الملف الفلسطيني حركته بسبب التطورات الاسرائيلية.

قد تبدو هذه الصورة وردية، لكنّ الحقيقة هي أنّ المخاطر حقيقية وكبيرة، والساحة اللبنانية مؤهَلة لاحتضان رسائل اعتراض المتضررين، والتي من المنطقي أن تكون رسائل أمنية ودموية. وتأتي المجموعات التكفيرية في طليعة هذه القوى، وهي باشرت تحرّكها من السعودية حيث وعدت بالمزيد.

وقد يفسر البعض مكمن رأس بعلبك ضدّ الجيش في إطار الرد على اعتقال زوجة المسؤول في «جبهة النصرة»، لكنّ المناخ يبدو ملائماً لتوجيه رسالة دموية عبر الجبهة الاصعب وهي جبهة القلمون.

كما أنّ رسالة تركيا بتسهيل عبور مقاتلين وانتحاريين لـ»داعش» الى كوباني تبدو واضحة في مضامينها، وقابلة لأن تكون اكثر تعبيراً مستقبلاً، وقد تكون في منطقة ابعد جغرافياً من كوباني.

اسرائيل تبدو شديدة الخطورة في مرحلة عدم الاستقرار السياسي والتحضير لانتخابات داخلية، فرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الذي يجد في التقارب الاميركي – الايراني خطراً مباشراً على مصالح بلاده، قد يجد الظرف مؤاتياً للمشاغبة أمنياً، وربما عسكرياً، أولاً لتعزيز شعبيته، وثانياً بسبب تراجع قدرة الضبط الاميركي في ظروف مشابهة، وتبقى الساحة اللبنانية ساحة نموذجية لذلك.

كما أنّ فصائل فلسطينية قد تجد نفسها رافضة المشروع الاميركي المطروح، فتعمد إلى المشاغبة عليه، حيث يتمتع الفلسطينيون بقدرات واسعة في لبنان خصوصاً بعد انتقال كادرات لهم من مخيم اليرموك الى مخيمات لبنان.