نجحت إيران في كسر «حاجز» المواعيد النهائية للمفاوضات، عبر تمديد جولتها لأكثر من يومين. ولعلّ هذا ما كانت تطمح اليه مع الدول الـ 5+1، كتعويض نفسي وإعلامي، فيما هي تتّجه لتوقيع بيان إتفاق الإطار الذي سيسمح بإستكمالها حتى نهاية حزيران المقبل، موعد التوقيع النهائي.
ضبابية المشهد الذي هيمن على إجتماعات لوزان فرض نفسه في واشنطن ايضاً، ما دفع بأعضاء جمهوريين في الكونغرس الأميركي، أمثال جون ماكين وليندسي غراهام للقول: «مِن الواضح أنّ المفاوضات لا تسير على ما يُرام، والنتيجة ستكون سلبية».
لكنّ اوساطاً اميركية عالمة ببعض خفايا ما يجرى، تقول إنه من العبث توقّع فشل المفاوضات بعد كلّ الجهود التي بذلتها مختلف الأطراف، والإستثمار الكثيف لإدارة الرئيس باراك أوباما فيها، والذي بلغ حدّ تعطيل كلّ سياساتها الخارجية للتفرّغ لهذا الملف.
صحيحٌ أنها لم تغادر سياسة «العصا والجزرة» خلال تعاملها مع هذا الملف، إلّا أنّ الإيرانيين هم الطرف الأكثر حرصاً على إنجاحها، بعد التطوّرات السياسية التي شهدتها المنطقة.
وتعتقد الأوساط أنّ القيادة الإيرانية وصلت الى استنتاج مفاده أنّه لا يُعقل أن نضمن معاداة الغرب على الدوام لمصلحة مشروع قنبلة لا يبدو أنها ستشكّل الضامن لإستمرار النظام، فيما تمدّد تأثير الدولة الإيرانية على الجوار والدفاع عن ديمومة النظام، قد يكون ممكناً اذا أزيل هذا العائق.
إلّا أنّ هذه الأوساط تستدرك بالقول إنه «من غير المنطقي أيضاً أن نتوقع توقيع إتفاق لا يمكن تمريره اميركياً ودولياً، اذا كان اتفاقاً سيّئاً».
لذلك فإنّ كلَّ المؤشرات تشي بأنّ الإتفاق سيكون كافياً لتلبية شروط الجميع، فيما الاستعدادات قائمة على قدم وساق للتفرّغ لما بعده، خصوصاً في ملفات المنطقة.
هناك مَن يتوقع أن تفرض «عاصفة الحزم» تفكيراً سياسياً مختلفاً حتى لدى الإدارة الأميركية، يجبرها على التعامل مع دينامية عربية يرجّح أن تتطوّر باتجاهات سياسية أكثر هجومية.
تدرك واشنطن أنّ فكّ الطوق والحصار عن إيران من شأنه أن يحرِّرَها لمواجهة منافسيها، لكن مَن قال إنّ هذا التحرّر قد يكون كافياً لمواصلة سياساتها السابقة في المنطقة؟
في الوقائع الميدانية، لعلّ ما حدث في معركة تكريت مؤشر الى عودة طهران لاعباً بين آخرين، تمارس دورها بالاستناد الى توجيهات «المايسترو» الأميركي الذي عاد ليكون مجدَّداً ضابطَ إيقاع بين القوى المتنازعة.
هذا هو واقعُ الحال أيضاً في سوريا بعد التحوّلات التي طرأت على مزاج اللاعبين الإقليميين الآخرين، واستعداداتهم لمقارعة الهجوم الإيراني فيها، ما قد يعجّل في التصادم المباشر، ليتحوّل الدور الأميركي هنا أيضاً دوراً رئيساً في تنظيم الإحتراب بين الأطراف.
ولا تستبعد تلك الأوساط أن تكون الأحداث الأمنية التي شهدتها تركيا في اليومين الماضيين، نموذجاً عن المتاعب التي يسعى البعض لإثارتها للتأثير في «المزاج» التركي المتغيّر في هذه المرحلة.
أمس الاول، تحدّثت معلوماتٌ غير مؤكدة عن بدء إنزال بَرّي محدود للقوات المصرية على شواطئ عدن، سبقه بيانٌ للخارجية المصرية عن خطط يُجرى تنفيذها لإجلاء المصريين من اليمن، وقد خرج بعضهم عبر الحدود العمانية.
ومع ترجيح كفة التدخّل البري خياراً ضرورياً لكسر التوازن المختلّ لمصلحة الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، فإنّ الامور تبدو متّجهة نحو حربٍ أخرى طويلة، فيما الإيرانيون يستعدّون لزيادة تدخّلهم في اليمن.
وتعتبر الأوساط الاميركية أنّ الخوف على مستقبل الممرّات المائية قد يكون مبالَغاً فيه، خصوصاً أنّ الأطراف المنغمسة في هذا النزاع كانت واضحة في تحييدها، فيما الأساطيل الأميركية المنتشرة هناك لا تحرسها فقط، بل تنطلق الطائرات من حاملاتها وحاملات أطراف التحالف الدولي الاخرى لقصف «داعش» وأمثالها في كلٍّ من العراق وسوريا.
وكما توقّع كثيرون، فالمرحلة المقبلة ستحمل متغيّرات كثيرة، سواء وُقّع الإتفاق النووي نهاية حزيران المقبل ام لم يُوَقَّع. لكن ما يبدو بعيدَ المنال حتى الساعة هو إمكان التوصل الى حلول لأزمات المنطقة، من العراق الى سوريا الى لبنان وليبيا واليمن.