هل ذهبت «السكرة» الرئاسية وجاءت «الفكرة» التوافقية؟
«لا احد أقوى من سيده وولي نعمته.. وهذه سنة الحياة». عبارة رددها بالأمس ديبلوماسي عربي في بيروت، في معرض تقييمه للتطورات السياسية في لبنان والمنطقة.
وعندما سئل الديبلوماسي نفسه عن رأيه بقرب إعلان رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري عن ترشيحه للنائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، رد بلهجة حاسمة مرتين على التوالي: «لا اعتقد ذلك.. لا اعتقد ذلك».
هذه التعبيرات، ربما المتأخرة، تثبت، حسب مرجع لبناني «أن الحريري يعلم ويعي بديهية عدم امكان قبول دول الخليج وتحديدا السعودية بخيار ميشال عون، وبالتالي ما ينوي الإقدام عليه، أشبه ما يكون بعملية انتحارية لن يطول الزمن حتى يكتشف انها انهته سياسيا، عبر إقفال الباب الخليجي بوجهه نهائيا، وعسى أن لا يكون لقراره تداعيات على تياره وجمهوره».
امس، اطلت «سنونوة» الرئيس فؤاد السنيورة التي بشّر بقدومها قبل الربيع وفي منتصف الخريف، وهي علامة شؤم رئاسية، بمعنى عدم الركون الى الجو التفاؤلي السائد، لان «اي معادلة رئاسية لا يرضى عنها العمق العربي لسنة لبنان، وتحديدا السعودية، هي معادلة قد تؤدي مستقبلا إلى انسداد ابواب المساعدات في ملفات يحتاج فيها لبنان الى اشقائه العرب لا سيما دول الخليج».
«سنونوة السنيورة» عبرت عن نفسها بحراك عربي، وتحديدا خليجي في بيروت، يؤشر حسب مصادر واسعة الاطلاع، الى «رفض دول مجلس التعاون الخليجي لتوجه زعيم المستقبل نحو تبني ترشيح عون للرئاسة، ويبدو ان «مجموعة الرفض» داخل كتلة المستقبل النيابية لم تستسلم للارادة الحريرية، انما استعانت على طريقتها بـ «الصديق الخليجي» لوقف الاندفاعة الحريرية التي لا تجد منها اية فائدة، سوى أنها الخرطوشة الخلبية الأخيرة التي لن يكون لها أي استثمار حقيقي في مشروع إعادة الاعتبار للحريرية السياسية».
وفي هذا السياق، يتحدث مصدر ديبلوماسي خليجي عن «حراك ما» قد يصوّب مسار الرئاسة اللبنانية بما يمنع انزلاق البلاد الى انقسامات خطيرة تؤثر على نعمة الاستقرار التي تخيم على لبنان برغم اشتعال النيران السورية منذ قرابة ست سنوات، لذلك هناك تحرك عربي ضاغط لثني الحريري عن الذهاب بعيدا في خياراته».
ويوضح المصدر ان التحرك العربي وتحديدا الخليجي قد بدأ، في الساعات الأخيرة، وتم استدعاء احد سفراء الدول الخليجية المهمة على عجل إلى بلاده لإبلاغه خارطة تحرك ربما تكون باسم مجلس التعاون الخليجي وسيعود إلى بيروت في خلال 48 ساعة كحد أقصى، وربما تتبدى في الأيام المقبلة، معالم موقف خليجي يضع حدا للضياع القائم، ومن غير المستبعد، في السياق نفسه، أن يحدد مسؤول في دولة خليجية كبرى موعدا عاجلا للحريري لطالما كان ينتظره منذ أيار الماضي، لابلاغه موقف دول الخليج».
لا يخفي المصدر أن هناك لقاءات معلنة واخرى بعيدة عن الاضواء، «ولدينا نتيجة واضحة بأن هناك غالبية ترفض خيار الحريري بترشيح عون رغم مجاراة البعض له في الموقف العلني ولحسابات تخصهم ولكنهم في خلال الجلسات معهم يفصحون عن رفضهم ويسهبون في شرح مخاطر توجه الحريري الجديد».
واللافت للانتباه في كلام المصدر نفسه قوله: «إن الجنرال عون تمت تجربته عندما عينه الرئيس امين الجميل رئيسا للحكومة العسكرية وحكم من القصر الجمهوري وعمليا كان هو الرئيس، فما الذي فعله؟ لقد اصبح الجيش خمسة جيوش ولم تتوقف القذائف وانتهى حكمه مأساويا ودراماتيكيا».
يختم المصدر بالقول إن الحراك الخليجي يتقاطع بشكل أو بآخر مع الحراك الفرنسي الذي توّج بارسال رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جيروم بونافون الى بيروت، ومن المفترض أن تستكمل زيارته الاستكشافية، بزيارة الرياض وربما طهران لاحقاً، تمهيدا لصياغة موقف أوروبي موحد من أي ترشيح محتمل للعماد عون، تفاديا لتكرار ما حصل بعد ترشيح سليمان فرنجية من قبل الحريري الذي تدخل لدى دوائر الأليزيه وطلب منها أن يبادر الرئيس فرنسوا هولاند لمحادثة فرنجية (ربع ساعة) في سابقة ديبلوماسية غير معهودة، كانت نتائجها سلبية.