«وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً على المرء من وقع الحسام المهنّد» (معلّقة طرفة بن العبد)
ليست المرة الأولى التي يظهر فيها تعبير «شيعة السفارة الأميركية» في الإعلام وفي الأدبيات السياسية لمنظومة الممانعة، وقد كانت الصحيفة الصفراء الناطقة باسم «حزب السفارة الإيرانية» قد رددته سابقاً، وأظن أن من سرّب هذا التعبير كان قد سمعه سابقاً من حسن نصرالله، أو ربما أن هذا التعبير كان قد أعجب الأخير فأعاد استعماله في الحديث «المجتزأ» الذي أعلن فيه نصرالله النفير «الحسيني» العام.
بصراحة، لا يهم ما يقوله نصرالله في العلن، فقد تبين بشكل واضح القدر الهائل من التقيّة التي يستعملها «عينك بنت عينك» في خطاباته الجماهيرية، المليئة بالرمزيات المذهبية التي يفهمها جمهوره، ولكنها تحمل الوجهين بالنسبة للآخرين من البشر.
في يوم من أيام اغتصاب «حزب السفارة الإيرانية« لساحة رياض الصلح، أمّ المصلين نهار جمعة الداعية المرحوم «فتحي يكن»، وكان قد مهد لهذه الإمامة حسن نصرالله بقوله لجمهوره: «يجوز الصلاة خلفه وأخبركم لاحقاً لماذا وكيف»…
لم يقل نصرالله بعدها علناً كيف ولماذا، ولكنه من دون شك أحد ضروب «التقية».
لكن ذلك ليس بيت القصيد، فالخطير المهم هو ما يقوله السيد في الحلقات المغلقة حيث لا حاجة الى التقيّة، أي بين جماعته.
ما يمكن فهمه من كلامه هو أن الوضع أصبح على حافة الهاوية، وأن مشروع ولاية الفقيه برمته أصبح قاب قوسين من السقوط بعد التطورات الميدانية في سوريا التي دفعت بشار الأسد إلى الاستنجاد بـ»داعش« في تدمر لقطع الطريق على تقدّم المعارضة باتجاه وسط سوريا.
على شيعة لبنان الأسرى في دويلة الولي الفقيه أن يأخذوا القضية على محمل الجد، فبمراجعة سريعة لتاريخ هذا الحزب نفهم بسرعة خطورة التصنيف الذي أطلقه نصرالله، فمنطق حرية الرأي والتعددية السياسية يساوي الخيانة وحتى الكفر في زمن الشدائد، بالأخص مع منظومة فاشية الطابع مثل «حزب الله«.
فترة الشدائد كانت في بدايات الحزب في ثمانينات القرن العشرين، يوم اعتُبر الشيوعي الشيعي والبعثي العراقي الشيعي واليساري العلماني الشيعي، خائناً وكافراً، فحلّ قتله غيلة وبقي القاتل المعروف من دون حساب.
حركة «أمل« وأفرادها الشيعة الحسينيون الصدريون تحول لقبهم إلى «الكفار» على لسان شيعة إيران اللبنانيين، لأنهم لم يكونوا يؤمنون يومها بولاية الفقيه على الطريقة الخمينية، فحلّ قتلهم، وسقط في الحرب بين «عملاء إيران» كما كان «الأمليون» يدعونهم و»الكفار» كما كان الخمينيون يدعونهم، آلاف القتلى. عملياً، فقد سقط على يد حزب ولاية الفقيه بين إيران ولبنان عشرات، لا بل مئات الآلاف من الشيعة بتهمة الكفر والخيانة من جهة، وكضحايا للمغامرات الإمبراطورية المذهبية من جهة أخرى.
بمراجعة عابرة لتاريخ نشوء النازية في ألمانيا، نلاحظ بوضوح أن التصفيات «العرقية» وحتى «من أهل البيت» كانت الأكبر في مرحلة التأسيس، لتعود بقوة مرعبة في مرحلة الانهيار، أي بين سنتي و.
والواضح أن تلك التصفيات شملت بالإضافة إلى اليهود والسلافيين والغجر، بشراً من أكثر «العرق الجرماني» نقاوة بتهمة الجبن أو الخيانة أو حماية اليهود أو كونهم شيوعيين أو ليبراليين… وربما سماهم الفوهرر يومها «ألمان السفارة الأميركية» لو بقيت في الرايخ الثالث سفارة لها.