استبقت “التسوية” التي اعتمدت في مجلس الوزراء حول موضوع “تكليف الجيش اتخاذ الاجراءات اللازمة لإعادة سيطرته على عرسال وحمايتها” والتي اعقبت زيارة رئيس الحكومة تمام سلام الى المملكة العربية السعودية برفقة وفد وزاري مؤشرات مطمئنة ومهدئة على رغم الصخب الداخلي الذي يثير المخاوف الكبيرة على البلد ويساهم في تعطيلها. فالمواقف التي ادلى بها مرارا وتكرارا رئيس مجلس النواب نبيه بري بدت بمثابة صمّام أمان من شأنه منع انزلاق الامور الى الهاوية وفق ما يلعب على حافتها بعض الافرقاء من الفريق السياسي نفسه الذي يحسب عليه الرئيس بري، وبدا ذلك خصوصا في تصديه لمحاولات فرض تعطيل الحكومة بقطع النظر عن احتمالات نجاحه في ذلك ام لا. وعشية جلسة مجلس الوزراء التي اعتبرت مفصلية لجهة الذهاب في اتجاه التعطيل أو تجنبه برز كلام السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري من الرياض بالذات الذي اكد في حديث ادلى به الى “النهار”: “ان لبنان ليس في دائرة الخطر”. وهو كلام يكتسب اهميته في ظل طبول التعطيل والضغوط الداخلية كما في ظل الوضع الاقليمي في جواره كما خصوصا في ظل الصراع المحتدم بين الدول الاقليمية من العراق امتدادا الى اليمن وسوريا في شكل خاص. ولذلك بدت “التسوية” الملتبسة أو حمالة الاوجه في مجلس الوزراء حول موضوع مسؤولية الجيش ودوره في عرسال ترجمة مبدئية لعدم الرغبة في جر لبنان لان يكون ساحة اضافية من ساحات التعبير عن احتدام الصراع الاقليمي اقله في الوقت الراهن. اذ ان هناك الكثير على المحك في ما يجري اقليميا في دول الجوار بحيث لا تزال الحاجة الى لبنان مستقر بالحد الادنى. واذا كانت هذه التسوية ترضي “حزب الله” بالحد الادنى كما ترضي تيار المستقبل بالنسبة نفسها، فان ذلك يشكل ضمانا الى عدم انفلات الامور في ظل استقطاب التطورات الميدانية السورية كل الانتباه.
فاذا كان واضحا ما يعبر عنه السفير السعودي كموقف لبلاده لا يرى تصعيدا يتهدد لبنان في هذه المرحلة ما يضمر تاليا عدم تحريك ما يستفز الافرقاء الآخرين على رغم ان المملكة تعرضت لحملات سياسية مباشرة لا تتصل بلبنان مباشرة بل تتصل بالحرب التي قادتها ضد انقلاب الحوثيين في اليمن، فان رئيس مجلس النواب لا يتحرك ضد مصالح حليفه الشيعي أو بعيدا منه. وسياسيون كثر قرأوا في موقف بري ما قد يرغب به الحزب لكن من دون اظهار القدر المطلوب من المرونة التي يحتاج اليها الوضع الداخلي خصوصا مع محافظة نواب الحزب ومسؤوليه على وتيرة عالية من المواقف والتصريحات الحادة في غالب الاحيان، في الوقت الذي يكتسب اداء بري اهمية كونه بمثابة شعرة معاوية التي لا تقطع بين الطائفة الشيعية وبقية الطوائف.
وليس خافيا ان متطلبات حماية لبنان من انتقال الحرب المذهبية السنية – الشيعية هي كل المطلوب راهنا مهما تعددت الخلافات. ومع ان هناك سقفا دوليا اقليميا يحكم الوضع اللبناني فان ذلك لا يمنع الضغط الذي يدفع الى اجراء مساومات تحت سقف التهديد بايصال الوضع الى حافة الهاوية مرة بعد مرة وكأنما حماية الاستقرار باتت على القطعة وليس كصفقة متكاملة. ما يجعل من تصعيد افرقاء آخرين الحملة على الحكومة تحت وطأة الإلحاح على استباق انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي في ايلول المقبل بتعيين صهر العميد شامل روكز مكانه مثار تساؤل اذا كان الحزب سيخوض حملة تعطيلية داعمة من اجل دعم حليفه المسيحي في الوقت الذي يقف الرئيس بري في المقلب الآخر وفي الوقت الذي كلف الجيش مهمات جديدة في عرسال بحيث تضيف استحالة جديدة الى جملة الاعتبارات التي تمنع تعيين قائد جديد للجيش قبل انتهاء الولاية الممددة لقهوجي.
ثمة وفود اجنبية عدة تنتمي الى مراكز دراسات وابحاث تضع دراسات متخصصة وتضم سفراء سابقين ومنهم من يستمر في علاقة مع الادارة الاميركية تزور لبنان حاليا وتلتقي بعض مسؤوليه من باب الاهتمام الشديد بتطورات الوضع السوري التي يوفر لبنان باباً مهماً للوصول الى معرفتها باعتباره من الاقرب اليها من جهة ومُعانياً من تداعياتها من جهة اخرى بالاضافة الى واقع مشاركة “حزب الله” في معاركها من اجل منع انهيار النظام السوري. بعض هؤلاء لا يرى مصلحة لكل من المملكة السعودية أو لإيران في تدهور الوضع اللبناني ولو انه يشارف الهاوية مرة بعد مرة بحيث تبرز ضرورة ابراز عناية فائقة للاهتمام بالوضع خشية انزلاقه في لحظة تهور أو حسابات خاطئة على غرار ما ظهر في تصعيد الحزب حملته مطالبا بتدخل الجيش اللبناني في جرود عرسال. لكن ثمة اهتماما بالوضع في لبنان لجهة مدى امكان المحافظة عليه وما هي النقطة التي يمكن ان تطفح بها كأس الاستمرار في التهدئة أو أيضاً ما هي مترتبات أو تداعيات ما بعد الحرب في سوريا على لبنان وصيغته السياسية وكيفية عودة حزب الله الى الداخل اذا كان لا يزال متاحا أو الاثمان التي ستترتب على لبنان في المقابل. وبدا مستغربا الى حد بعيد عدم ورود هذه المسائل في متابعات المسؤولين أو مناقشاتهم ما يخشى معه ان يترك لبنان سنوات عدة قبل استتباب اموره ربطا بما يجري في المنطقة.