أنْ تتعرض الرشقات الإعلامية الإيرانية المتغطرسة والمستكبرة والمتجبّرة المتهاطلة في هذه الأيام (السعيدة!) لمواجهة من خصوم إيران أو أعدائها، فذلك لم يعد خبراً استثنائياً بقدر ما هو واجب تلقائي.. واجب يفرضه مليون اعتبار واعتبار. وفي مقدم ذلك، ان الإيرانيين لا يخفون شيئاً من عداوتهم السياسية والقومية والمذهبية والثقافية للعرب والمسلمين (الآخرين)، وطبيعي أن يتلقوا جواباً ملائماً عن كل رسالة يوجهونها في مسار تلك العداوة.
لكن الخبر الاستثنائي في هذه المبارزة هو أن تُطلق نيران بلاغية صديقة باتجاه التصريحات الإيرانية، مثلما حصل في العراق مثلاً وأن تمتد مروحة تلك الردود من المرجعية الدينية في النجف الى رئاسة الحكومة في بغداد.. وذلك باعتبار ان حجم الإساءة الى الذات الوطنية العراقية كان (ولا يزال) أكبر من أن يُحتمل، حتى من قبل الذين يُعتبرون أصدقاء أو حلفاء أو أخوة مذهب..
حصل ذلك بالأمس القريب بعد تصريحات علي يونسي عن الامبراطورية التي صارت عاصمتها بغداد. لكن لم يحصل أي شيء مماثل من قبل أصدقاء إيران وحلفائها في لبنان، لا في شأن هذا الكلام ولا في شأن غيره الذي سبقه والذي جعل من لبنان، تارة حدود إيران، وتارة أنه صار خاضعاً لمشيئتها وإرادتها، ودائماً، انه أبرز التعابير الناجحة (والفذّة!) عن شعاع ثورتها!
.. بل الواقع هو أن العكس حصل: لم يُخفِ «حزب الله» انزعاجه الشديد! من الردود التي أطلقها فريق قوى الرابع عشر من آذار، وصولاً الى بناء موقف تهويلي يتصل بالتأثيرات المحتملة على الحوار الدائر مع تيار «المستقبل».. باعتبار أن تسفيه المنطق الإيراني انطلاقاً من اعتبارات وطنية، أمر يضعه ذلك الحزب في مستوى «العمالة»، عدا كونه يُقدّم دليلاً إضافياً على الارتباطات الخارجية «المشبوهة» للفريق السيادي، على ما قال بشكل شبه حرفي، النائب محمد رعد.
طبيعي ذلك كله ومألوف وغير مستغرب، لكنه في جملته يُوضع في مكان، وصمت الكثيرين، من خارج المنظومة الفقهية لـ»حزب الله» مثل النائب ميشال عون وغيره، في مكان آخر: أليس غريباً مثلاً، أن يخرج المرجع الديني الأول والمرجع السياسي الأول في العراق، ليردّا على الإهانة الإيرانية وبعنف بلاغي ضارٍ برغم الروابط والتحالفات والميدانيات.. وان يطنّش عندنا بعض أدعياء التحرير والسيادة والإصلاح، عن إهانات مماثلة متتالية، كان آخرها بالأمس أيضاً على لسان الجنرال قاسم سليماني الذي قال مجدداً إن لبنان والعراق (نسي سوريا بالمناسبة!) صارا خاضعين لنفوذ بلاده وهي التي تقرر ما تشاء فيهما؟! أم أن الدنيا هانت الى حدود الخرس التام عن إظهار أي دلالة على احترام الذات والكيان والكرامة الوطنية.. طالما أن الاسترئاس أغلى وأعزّ؟!