IMLebanon

أبطال لبنان الصامتون

19 آب 2003، كنت في الموصل مع فريق عملي، نضع اللمسات الأخيرة على التحضيرات للزيارة الأولى التي كانت مقررة في اليوم التالي للممثل الخاص للأمين العام في العراق سيرجيو فييرا ميللو. بعد الظهر سمعنا بنبأ الهجوم على مقرّ الأمم المتحدة في العاصمة. أمضينا كل فترة ما بعد ذلك نحاول الاتصال بفريق العمل في العاصمة، من دون جدوى. ثم علمنا تدريجياً أن موظفين محليين ودوليين من الأمم المتحدة قتلوا في الهجوم يومذاك على المقر الأساسي للأمم المتحدة في بغداد وعددهم 22 شخصاً، بمن فيهم سيرجيو فييرا ميللو، وموظفون محليون ودوليون للأمم المتحدة، وزوار كانوا في الموقع؛ كما أوقع أكثر من مئة جريح. كانت مشاعر الصدمة ازاء فقدان الأصدقاء والزملاء، فضلاً عن مشاعر الدمار وانعدام الثقة، ساحقة.

لن ينسى ذلك اليوم، ولا الذين قضوا فيه، فبات تاريخ 19 آب اليوم العالمي للعمل الانساني. إنها الذكرى السنوية العالمية لتسليط الضوء على الروح التي تلهم العمل الإنساني في العالم. إنه اليوم الذي نكرّم فيه العاملين في المجال الإنساني، الذين ضحوا بأرواحهم لمساعدة الأشخاص الأكثر ضعفا في العالم، والذين يستمرون في المخاطرة بحياتهم كل يوم من أجل تقديم المساعدات للمحتاجين. في العام الماضي وحده، خسر عشرة من عمال الإغاثة حياتهم شهرياً، ووقع 329 منهم ضحية الهجمات العنيفة في 27 بلدا. أثناء ولايتي في صوماليا، كمنسق مقيم ومنسّق الشؤون الانسانية، خسرت سبعة زملاء قتلوا، كما لقي العشرات من المارة الأبرياء حتفهم أو أصيبوا في الهجمات التي استهدفت الأمم المتحدة. لن أنسى أبدا الضيق والألم اللذين عبّرت عنهما الأسر والزملاء والأصدقاء الذين واجهوا أموراً لا توصف، ولن أنسى محاولاتي لإيجاد الكلمات في أوقات الحزن والضيم.

أما هذا العام فتهدف حملة اليوم العالمي للعمل الإنساني الى مناصرة عالم أكثر سلاماً وإنسانية، وتسعى الى توفير الدعم الواسع النطاق للعمل الإنساني. يعرف لبنان معنى هذا العمل؛ في أوقات الحرب كما السلم. ما زلت أذكر التفاني والحماس والشجاعة التي أظهرها متطوعو الصليب الأحمر اللبناني عندما كنت هنا في أوائل التسعينيات خلال عملي مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر. في ذلك الوقت، كان لبنان، لا يزال يمر في ضائقة الحرب، وكان هؤلاء المتطوعون، وغيرهم، يعرّضون حياتهم للخطر من أجل إنقاذ الآخرين أو خدمة الأشخاص الأكثر ضعفا.

منذ العام 2011 يستضيف الشعب اللبناني بكرم، حتى في المناطق الأكثر فقراً، مئات الآلاف من الناس الذين اضطروا إلى الفرار من العنف في سوريا المجاورة. والواقع أن كرمكم بالفعل مثالي، وقد كنتم بالفعل المستجيبين الأولين على الرغم من مواردكم المحدودة. فأنتم تشاطرون بيوتكم وأراضيكم ومياهكم والكهرباء والضيافة… يلهمني عملكم الإنساني، كما المرونة التي تظهرونها، وعلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مسؤولية المحافظة على دعمنا للبنان لتلبية حاجات الفئات الأكثر ضعفا.

يعقد العام المقبل مؤتمر القمة العالمية للعمل الإنساني في اسطنبول في شهر أيار 2016. تركز هذه القمة وهي دعوة من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، على الإنسانية والكرامة، وتهدف إلى تحسين المساعدة والحماية للأشخاص الذين هم في حاجة، كما أنّها تواجه في الوقت عينه حاجات إنسانية هائلة، فضلاً عن تعدد الأزمات التي فاقت قدرتنا على تقديم المساعدة. يجب أن يكون لبنان مثالاً لهذه القمة، إذ انّه يظهر لنا أن كل واحد منا قادر على إحداث فارق في حياة الآخرين، ولكل منا القدرة على إلهام الآخرين للقيام بأعمال تساهم في خلق عالم أكثر إنسانية.

فيليب لازاريني

المنسق المقيم ومنسّق الشؤون الإنسانية