جاءت زيارة الشيخ صباح الأحمد لروسيا على مفترقات إقليمية دقيقة وحساسة، وخصوصاً في منطقتنا العربية التي تشهد الآن عودة روسية صاخبة الى الساحة انطلاقاً من الساحة السورية، لهذا لا يغالي المراقب اذا قال إن مدرسة أمير الكويت في الديبلوماسية الحميمية وهندسته المتأنية للعلاقات الودية بين الدول، كانت محور محادثاته مع فلاديمير بوتين .
هذه المحادثات تجاوزت العلاقات الثنائية بين البلدين لتشمل قضايا ساخنة وشائكة في المنطقة، من القضية الفلسطينية، التي كادت ان تصير نسياً منسياً نتيجة سياسة التخلي الاميركية، الى الأزمة السورية الدامية التي صارت أشبه بقنبلة عنقودية في استيلادها للإرهاب و”داعش”، الى التطورات السلبية على الساحة العراقية بعد سقوط الموصل وتوسّع “داعش”، وهبوب رياح المذهبية البغيضة التي تلفح في أرجاء المنطقة كلها.
عندما استقبل بوتين الشيخ صباح بالقول: “اننا نعرفكم منذ وقت طويل، مثلتم فيه بلادكم في الساحة الدولية بصفتكم وزيراً للخارجية ولكنكم تزورون بلادنا للمرة الاولى بصفتكم أميراً للدولة ونحن سعداء بهذا الحدث”، علّق أحد الديبلوماسيين الغربيين بالقول. صحيح ولكن عندما كان الشيخ صباح عميداً للديبلوماسية العربية وجسراً أميناً للعلاقات العربية الدولية مدى نصف قرن تقريباً، كان بوتين يعمل في كواليس “كي جي بي”.
ذلك ان الكويت كانت الدولة الخليجية الأولى تقيم علاقات ديبلوماسية مع الاتحاد السوفياتي في آذار من عام 1963، وشهدت تطوراً قاده الشيخ صباح عندما كان وزيراً للخارجية، وبعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991 شجع أمير الكويت الدول الخليجية على تطبيع علاقاتها الديبلوماسية مع روسيا.
الذين قرأوا كلام الديبلوماسي الغربي، تذكروا ان أمير الكويت الذي سمّته الامم المتحدة والجامعة العربية العام الماضي قائداً إنسانياً، والذي لم يجد بان كي – مون غيره زعيماً يستطيع ان يتبنى مؤتمراً متكرراً وناجحاً للدول المانحة للاهتمام بالازمة الإنسانية المتفاقمة في سوريا، والتي باتت تهدّد الآن الاستقرار الاوروبي، يستطيع إضافة مسحة من المخمل الضروري الى حديد القذائف الروسية المتفجرة في سوريا، ويستطيع ان يساعد في تخيّل أفق أرحب للبحث عن حل ينهي هذه الازمة الكارثية التي تراوح مكانها في الدم والدمار منذ خمسة أعوام.
يعرف بوتين جيداً انه لا يستقبل زعيماً ومدرسة في الديبلوماسية والحكمة فحسب، بل صوتاً مسموعاً بعناية واحترام سواء في دول “مجلس التعاون الخليجي” أو في داخل المجموعة العربية. واذا تذكرنا سهره على ترتيب العلاقات العربية الآسيوية والعربية الافريقية، يمكن فعلاً ان نفهم ان بوتين إستمع بعناية الى رأيه في مروحة من الملفات الساخنة وفي مقدمها الأزمة السورية، التي ترى الكاتبة الروسية يلينا ميلكوميان انها تحتاج الى الحنكة والحكمة.