IMLebanon

خريطة طريق حريرية لاخراج لبنان من أزمته  

 

رسم الرئيس سعد الحريري، في لهجة هادئة واعتدال بيَّن وموضوعية واضحة الدلالات والأهداف واعتدال طالما لازمه على مدى السنة الماضية «خريطة طريق» لخروج لبنان من أزمته، خصوصاً وأن غالبية الافرقاء السياسيين، باتوا على قناعة من ان عودة الحريري الى لبنان هي مفتاح حل كل الخيارات السياسية والحلول الدستورية…

 

يدرك الرئيس الحريري ان مفتاح الحل والربط، ليس بيده وحده، وأن التسوية التي قام عليها العهد، وسياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة في البيان الوزاري هي مفتاح الحل، أولاً للعودة عن الاستقالة، وثانيا لتجنيب لبنان العقوبات الدولية والاقليمية (خصوصاً العربية) وللمحافظة على العلاقات اللبنانية مع الدول الغربية والعربية، وسائر دول العالم، وثالثاً لاستكمال الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً وأن لبنان على أبواب الانتخابات النيابية في الربيع المقبل وتوفير بنى تحتية قادرة على تلبية الحاجات، وأكثر تعزيز القدرات العسكرية والأمنية لمجابهة التحديات والتهديدات الاسرائيلية المفتوحة على كل الخيارات، وهي تحديات وتهديدات شبه يومية، والعالم يدير الظهر وكأن شيئاً ما لا يحصل.. وقد سجلت «إسرائيل» أعلى رقم في العالم في خرق القوانين والقرارات الدولية النافذة..

الرئيس الحريري سيعود الى لبنان.. والعودة عن الاستقالة واردة، ومع عودته سيقوم بكل الخطوات الدستورية وسيكون اللقاء الاول المرتقب مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي والرئيس نبيه بري لايزالان يتمسكان بمبدأ «ان الغموض المستمر والذي يكتنف وضع الرئيس الحريري منذ اعلانه استقالته، يجعل كل ما صدر (قبل طلته الاعلامية ليس أول من أمس) ويمكن ان يصدر عنه من مواقف او خطوات او ما ينسب اليه لا يعكس الحقيقة.. ولا يمكن الاعتداد به، وهو موضع شك والتباس ولا يمكن الركون اليه او اعتباره مواقف صادرة بملء ارادة رئيس الحكومة..» على ما يؤكد الرئيس العماد عون بالتقاطع مع كلام بري الذي اعتبر ان استقالة الحريري «يجب ان تكون عملاً دستورياً وسيادياً ولا تستقيم إلا اذا كانت على الاراضي اللبنانية..» وقد أقر الرئيس الحريري بذلك قائلاً: «أنا قدمت استقالتي وأعرف أنها ليست الطريقة المعتادة التي يستقيل بها أي رئيس حكومة، ولذا كان يفترض ان أقوم ببعض الاجراءات التي هي لمصلحتي من أجل ان أتمكن من العودة في أي وقت الى لبنان..».

العودة الى لبنان محتمة ومحسومة، لكن العودة عن الاستقالة وان كانت واردة فهي لاتزال غير محسومة، وهي مرتبطة بسلسلة شروط ستكون محور «حوار طويل عريض مع فخامة الرئيس عون.. وفي كيفية اكمال التسوية بيننا..».

النقطة المركزية التي شدد عليها الرئيس الحريري في مقابلته التلفزيونية ليل أول من أمس، تتمثل بـ»النأي بالنفس».. عبر حوار ومفاوضات مع كل الافرقاء والسياسيين.. فإذا أردنا التراجع عن الاستقالة يجب ان نحترم النأي بالنفس.. ونخرج من التدخلات التي تحصل في المنطقة على ما قال وكرر ذلك أكثر من مرة.. «فأنا قدمت استقالتي لإحداث صحوة ولم آتِ لأعادي فلانا او فلانا..» في إشارة لافتة الى «حزب الله» ودوره الاقليمي.

الحريري على قناعة ان المسألة ليست على هذا القدر من السهولة، ومع عودته الى لبنان «سيحصل حوار طويل عريض حول أمور عدة..» متسائلاً هل حصل فعلاً نأي بالنفس، وهل نحن كأفرقاء سياسيين نأينا بأنفسنا.. فكان الجواب: «كلا».

يدرك الرئيس الحريري متانة العلاقة بين الرئيس العماد عون و»حزب الله، وهو يقر لرئيس الجمهورية بعلاقته الممتازة معه.. وسنكمل هذه العلاقة.. وأقول له انني عائد ونجلس سوياً ونتحدث ونتفق على مصلحة البلد.. وتأسيساً على هذا، فإنه يرمي كرة مسؤولية الالتزام بسياسة «النأي بالنفس» و»عدم الانحياز» التي أقرت في البيان الوزاري في ملعب الرئيس عون.. وقد أوضح الحريري «انني لست ضد «حزب الله» السياسي ولا أتوجه ضد ان يكون حزباً سياسياً، ولكن ليس معناه ان يخرب لبنان بتدخلاته الخارجية..» مشيراً الى أنه «ليس لدينا مشكلة بالاحزاب السياسية، ولكن هل هذه الاحزاب تلعب دوراً خارجياً، وهل يمكننا ان نتحمل وزر ما سيقوم به حزب الله؟!

في لقاءاته الأخيرة لفت الرئيس عون الى أهمية العودة الى طاولة الحوار الوطني، وفي مقدم بنودها البحث في بند «الاستراتيجيا الدفاعية» الذي يتضمن في جملة ما يتضمنه، التوافق على «من هو العدو» ومن هو الصديق، ودور الدولة والجيش والشعب في مواجهة هذه الاخطار، خصوصاً وأن الامكانات المتوافرة للمؤسسة العسكرية وسائر القوي الأمنية ماتزال دون الحد الأدنى المطلوب لمواجهة هذه التحديات في الخارج وعلى الحدود كما في الداخل..

بالتأكيد ان عودة الحريري فاتحة خير على البلد، وهو الذي فتح صدره لحوارات مفتوحة، لكن المسألة لن تكون بين ليلة وضحاها، وهي ستأخذ وقتها خصوصاً وأن العوامل الدولية والاقليمية والعربية لاتزال بالغة التعقيد وان لبنان، كما يقول وزير الداخلية نهاد المشنوق، ليس جزيرة منعزلة عن سائر الجوار.. وان كانت غالبية دول العالم أظهرت في الأيام الاخيرة غيرة غير مسبوقة على لبنان وتمسكا لافتاً بأمنه ووحدته واستقراره..