ليس الخطاب الأول للرئيس دونالد ترامب أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة سوى تعبير عن خليط رجال وأفكار. لا مفاجآت دراماتيكية من الرئيس الذي لا يمكن التنبؤ بما يقوله ويفعله. ولا مجرد تكرار لما توقعه وانتظره كثيرون. فعلى مدى أربعين دقيقة تنقل ترامب بين شخصيات عدة: رئيس أعاد السلطة للشعب، واعظ أخلاقي، جنرال يهدّد بتدمير كوريا الشمالية، تاجر يحافظ على مصالح أميركا، وطني يريد من كل حاكم ان يكون مثله ضمن ما يمكن أن يسمّى أممية قوميات، وداعية سلام في عالم يواجه خطر التهديد النووي والارهاب والدول المارقة.
أما خليط الأفكار والمواقف، فانه واسع جدا: شيء من مواقف ترامب المعروفة. وشيء مما أقنعه مستشاروه بضرورة التزامه لاقناع العالم بأن أميركا ليست عائدة الى الانعزالية ولا هي في أفول. تذكير ببعض ما قاله الرئيس ترومان قبل سبعين سنة عن دور الأمم المتحدة ورؤيته لما يخدم هذا الدور وهو القوة المستقلة لأعضائها. وعودة الى الرهان على حق كل شعب في دولة تضمن له الحرية والسعادة والرفاه، كما في تغيير نظامه الاستبدادي، في استعادة لمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير الذي رفعه الرئيس ويلسون.
ذلك ان حماية شعار اميركا اولا تحتاج الى صداقة اميركا مع الامم وخاصة مع حلفائها ثم الى الاصرار على تجارة عادلة ومتبادلة كما على مساهمة الحلفاء المادية في الدفاع عنهم، حيث لا شيء من دون مقابل. والمبدأ الجديد الذي اوحى ترامب انه سيكون اساس السياسة الخارجية في عهده هو الواقعية المبدئية خارج اي ايديولوجيا.
لكن حديث السلام لم يمنعه من تجاهل قضية فلسطين في الخطاب، وان كان يعمل على خطة للتسوية. ولا حال دون الهجوم العنيف على الانظمة في كوريا الشمالية وايران وسوريا وفنزويلا وتهديدها بما هو اكثر من العقوبات، وسط الحديث عن مناطق خفض التصعيد والعمل على تسوية سياسية في سوريا. ومع دعوته الى توطين اللاجئين حيث هم لأن ذلك افضل من مجيئهم الى اميركا، وامتداح كرم لبنان والاردن وتركيا في استضافة النازحين السوريين، فانه طرح فكرة جديدة هي ربط اعادة الاعمار في سوريا باعادة النازحين اليها.
والكل يعرف ان الواقع في اميركا والعالم أشد تعقيدا من نظرة ترامب التي تبدو بسيطة برغم التعددية في خطابه. ومن الطبيعي ان تتعدد القراءات الاميركية والاقليمية والدولية في الخطاب. لكن المشكلة ان خليط الرجال والافكار في الخطاب مرشح للبقاء من دون خطط استراتيجية.