سلّط البنك الدولي في تقريره الأخير والصادر منذ أيام الضوء على واقع المنافسة في اقتصادات العالم العربي كما وحثّ الحكومات على المضي في إصلاحات تعزز التنافسية كونها الطريق الأسلم لتحقيق النمو ومكافحة البطالة.
يأتي هذا التقرير ولبنان ما زال عالقاً في أزمته الإقتصادية، يحضّر الموازنة تلو الأخرى، وليس بعد في الأفق أي إشارة إلى إمكانية الخروج من النفق في فترة قريبة. ونذكر تقرير البنك الدولي لأنه يحمل في عنوانه الكلمة المفتاح لوضع لبنان على الطريق السليم، لا بل الطريق الوحيد للخروج من الأزمة. وهذه الكلمة هي بكل بساطة: المنافسة.
فلو أخذت تنافسية الإقتصاد كمعيار لإعداد الموازنات مثلاً لكنّا أمام مشاريع موازنة مختلفة تماماً عما شهدناه في الفترة الأخيرة، حيث أتت الموازنات (2018، 2019، 2020) نسخاً طبق الأصل عن بعضها البعض تستند إلى المقاربة عينها: مزيد من الضرائب ترهق كاهل المواطن وقطاع الإنتاج على حد سواء. موازنات تسقط أمام التحدي الأساس: ترشيد الإنفاق الحكومي.
أما الموازنة التي تعزز التنافسية، فهي عكس تلك المشار إليها، وهي موازنة جريئة تقتصد بشكل جدي من الـ 26000 مليار ليرة نفقات حكومية وترفع بذلك الضغط عن الوضع النقدي والمالي والعبء الثقيل عن قطاع الإنتاج، هي موازنة تقدم المحفزات الضريبية للمنتجين والمبادرين والمستثمرين، هي موازنة تقدم التسهيلات لما تبقى من شركات ومؤسسات تصارع كل يوم من أجل البقاء، من أجل عدم إغلاق أبوابها وصرف موظفيها لأنها بين نارين نار الضرائب ونار اسعار الفائدة.
ولو كانت تنافسية الإقتصاد هي المعيار في قيادة الإصلاحات لكانت أطلقت ومنذ زمن طويل محركات “سيدر”. وربما لما كانت هناك أصلاً ضرورة لـ”سيدر” وغير “سيدر” من مساعدات وودائع تحول معها الإقتصاد إلى اقتصاد إتكالي. وجود منافسة حقيقية، وفي أي قطاع، هو الشرط الأول لازدهاره. المنافسة كما عناها البنك الدولي في تقريره الأخير، وليس إحتكارات أو إمتيازات وعقود تختبئ وراء شركات خاصة تحت عنوان الشراكة ما بين القطاعين العام الخاص.
المنافسة تقطع الطريق على الإحتكار. هي الإنقلاب المطلوب على نظام المحاصصة، والسبيل لاسترجاع مقومات إقتصاد منتج وكرامة وطنية تنتفض على واقع استجداء المساعدات وانتظار الوديعة تلو الأخرى.