ماذا بعد تعليق اجتماعات هيئة الحوار نزولاً عند رغبة التيار الوطني الحر الذي يشكو من انتهاك الميثاقية، وهل معنى ذلك أن البحث في الاستحقاق الرئاسي وكيفية أزالة العقبات أمام انتخاب الرئيس قد إنتهيا إلى غير رجعة ودخلت البلاد كما يقول رئيس التيار البرتقالي الوزير جبران باسيل في أزمة وجود، أي في أزمة إنعدام مقولة العيش المشترك، ودخلنا في مرحلة جديدة، عنوانها الرئيسي فيدرالية أو كونفدرالية الطوائف، أم أن الموقف الذي اتخذه الوزير باسيل ناتج عن توصّله إلى قناعة بانسداد الطريق التي تؤدي إلى وصول عمّه الجنرال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، فاختار الطريق الأقصر وهي تعطيل كل المؤسسات لوضع الجميع أمام أحد خيارين إما انتخاب الجنرال وإما المؤتمر التأسيسي.
كل هذه الأسئلة باتت مطروحة بعد القرار الذي اتخذه التيار البرتقالي بمقاطعة هيئة الحوار الوطني بعد مقاطعة الحكومة، وكان من المفترض أن يردّ رئيس مجلس النواب وراعي طاولة الحوار على هذه الأسئلة بإصراره على بقاء اجتماعات هيئة الحوار حتى من دون التيار البرتقالي، لأنها تشكّل شريان الاتصال الوحيد بين مختلف المكوّنات اللبنانية، والأمل الوحيد للبنانيين في أن يستمر التواصل بين هذه المكوّنات منعاً من الدخول في متاهات عديدة، أقلّها إنفراط العقد الاجتماعي بين اللبنانيين والعودة إلى لغة الفدرالية والكونفدرالية كحل للخروج من الأزمة الوجودية التي تحدّث عنها الوزير جبران باسيل في جلسة الحوار واتخذ منها سبباً لتعليق إشتراك التيار البرتقالي في هيئة الحوار بعد مقاطعة مجلس الوزراء.
لكن رئيس المجلس بدلاً من أن يشدّد على استمرار إجتماعات هيئة الحوار ولو في ظل غياب مكوّن عنها، إستجاب لرغبة التيار البرتقالي وعلّق إجتماعاتها إلى أن يتسنى لهذا التيار العودة عن قرار التعليق وكأن الرئيس برّي ما زال يميل إلى أن هذا التيار لن يذهب بعيداً في الموقف الذي اتخذه وسيعود بعد فترة طويلة أو قصيرة عن قرار التعليق وربما بعد أن تفتح نافذة جديدة أمام عمّه الجنرال للوصول إلى قصر بعبدا.
أما الأزمة الوجودية للمسيحيين التي تحدّث عنها رئيس التيار البرتقالي، فقد ثبت من خلال الردود التي تلقاها في جلسة الحوار من الوزير السابق والمرشّح لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية أو من الوزير الحالي بطرس حرب بأنها مجرّد أوهام، وأن الوضع المسيحي جيّد في ظل إتفاق الطائف الذي كرّس صيغة المناصفة في مجلس النواب وفي الحكومة وفي المراكز القيادية في الدولة، وليس كما وصفه الوزير جبران باسيل بأنه بات يعيش ويعيش كل المسيحيين في أزمة وجودية، وبالتالي في أزمة نظام بعدما انتهك الميثاق الوطني على حدّ زعمه لأن مجلس الوزراء إجتمع رغم مقاطعة وزيري التيار البرتقالي ووزير حزب الطاشناق لهذه الجلسة إعتراضاً على الاتجاه السياسي العام للتمديد للقيادات الأمنية بسبب تعذّر الإتفاق على تعيينات جديدة لهذه القيادات.
إن تعليق اجتماعات هيئة الحوار كان خطيئة كبرى إرتكبها الرئيس برّي، وكان المطلوب منه أن لا يُقدم على هذه الخطوة حتى ولو علّق التيار البرتقالي حضور اجتماعاتها من دون سبب موجب سوى الضغط على باقي الأفرقاء للقبول بانتخاب عمّه الجنرال رئيساً للجمهورية أو الذهاب إلى المؤتمر التأسيسي.