Site icon IMLebanon

منذ 2005 ولبنان يوضع بين خيارين: إما تمديد سيئ… وإما فراغ أسوأ

لم يشهد لبنان وضعاً شاذاً كالذي يشهده اليوم ومنذ العام 2005، إذ وجد نفسه للمرة الاولى بين خيارين: إما التمديد وهو سيئ، وإما الفراغ وهو أسوأ. ففي زمن الانتداب الفرنسي كان المفوض السامي يعيّن رئيس الدولة ولم يكن أحد يسمع بالتمديد أو الفراغ. وفي زمن الاستقلال كانت الأكثرية التي تفوز في الانتخابات النيابية تحكم والأقلية تعارض. وفي زمن الوصاية السورية كانت هي التي تختار الرؤساء وتشكل الحكومات وتضع قوانين للانتخابات النيابية على قياس المرشحين الموالين لها. وعندما دخل لبنان العصر الايراني عبر حلفاء له وعلى رأسهم “حزب الله”، وُضع اللبنانيون بين خيارين: التمديد أو الفراغ… وقد بدأ هذا الوضع عندما لم يعترف “حزب الله” بنتائج الانتخابات النيابية (2005 و2009) التي فازت فيها قوى 14 آذار بالأكثرية. لكن الأقلية التي فازت بها قوى 8 آذار لم تمكّن الأكثرية من أن تحكم كما تقضي الديموقراطية، واصفة هذه الأكثرية بأنها نيابية وليست شعبية… كما أنه لا يجوز لأكثرية نيابية، بحسب رأي الحزب، أن تستأثر بالحكم وتتخذ القرارات المهمة بمعزل عن الفريق الآخر، ولا يصح أيضاً تطبيق الديموقراطية في ظل الطائفية إلا بعد إلغائها.

وهكذا بدأ لبنان من حينه يطبق ما سمّي “الديموقراطية التوافقية” التي وضعت اللبنانيين بين خيارين أيضاً: إما تطبيق هذه الديموقراطية في الانتخابات الرئاسية وفي الانتخابات النيابية التي تجرى على أساس قانون توافق عليه الأقلية وفي تشكيل الحكومات، وإما واجهت البلاد التمديد للوضع القائم أو الفراغ.

لقد كان الزعماء في الماضي يقبلون بأي رئيس وبأي حكومة خوفاً من الفراغ، أما بعض زعماء اليوم فيقبلون بالتمديد أو بالفراغ على رئيس”كيفما كان” أو بحكومة تتمثل فيها كل القوى السياسية الأساسية في البلاد لتنطبق عليها صفة حكومة “الوحدة الوطنية” وإن كانت غير منتجة وعملها شبه معطل، وقد ثبت ان جمع سلبيات في حكومة واحدة لا ينتج إيجابيات. واذا كان عيب حكم الأكثرية للأقلية تطبيقاً للنظام الديموقراطي يشكّل أحياناً مع الممارسة السيئة ديكتاتورية، فان حكم “الديموقراطية التوافقية” اذا لم يتم التفاهم عليه يدخل البلاد في التمديد أو الفراغ بدليل ان الخلاف على قانون جديد للانتخابات النيابية فرض التمديد لمجلس النواب مرتين، والله يستر من تمديد ثالث… والخلاف على تشكيل حكومة تسمى “حكومة وحدة وطنية” استغرق الاتفاق على تشكيلها أشهراً عدة فيما يعيش لبنان أزمة وزارية طويلة تعطل مصالح البلاد والعباد، وقد أثبت مثل هذه الحكومات فشله لقلة انتاجها وكونها تتألف من أضداد لا يلتقون إلا نادراً على موقف واحد من المواضيع والقضايا المطروحة. وتظهر “الديموقراطية التوافقية” عيوبها في انتخاب رئيس للجمهورية بإقدام نواب على تعطيل جلسات الانتخاب بتغيبهم عنها من دون عذر مشروع وهو ما لم يحصل في الماضي لأن نواباً كانوا ينتخبون الرئيس حتى وإن لم يكونوا راضين به منعاً للفراغ، مع أنه كان في استطاعة أي فريق سياسي تعطيل انتخابه وذلك شعوراً منه بخطورة ابقاء سدة الرئاسة شاغرة.

ولبنان يعيش منذ العام 2005 في ظل “الديموقراطية التوافقية” إما بالتمديد للوضع القائم، وإما بالفراغ. فلو أن الدستور كان يسمح بالتمديد لرئيس الجمهورية لكان العماد ميشال سليمان لا يزال رئيساً الى أن يتفق النواب على انتخاب خلف له. لذلك باتت المصلحة الوطنية تقضي باخراج لبنان من “حكم التمديد” او “حكم الفراغ” وذلك بوضع نص دستوري واضح يجعل حضور النواب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس المجلس ملزماً تجنباً لخطر الفراغ لأن المشترع لم يخطر في باله عند وضع دستور الطائف انه سيأتي يوم يتغيب فيه نواب عن حضور جلسات الانتخابات الرئاسية من دون عذر مشروع ليحولوا دون وصول من لا يريدون الى سدّة الرئاسة. ولكي لا تقع البلاد مرة أخرى في ما هي واقعة فيه الآن، فقد بات ملحّاً وضرورياً وضع نص دستوري واضح لا لبس فيه يلزم النواب حضور جلسات الانتخابات الرئاسية، او ان يكون لرئيس الجمهورية نائب رئيس يتولى مهماته الى أن يتم انتخاب خلف له، او أن يستمر رئيس الجمهورية في منصبه حتى ينتخب خلف له. كما أن المشترع لم يخطر في باله أنه سيأتي يوم يستمر فيه الشغور الرئاسي الى أجل غير معروف، وتبقى البلاد خلال ذلك “على كف عفريت” بوجود حكومة فيها عفاريت…