IMLebanon

منذ الـ 43 ولبنان من انتظار إلى انتظار والأدهى أنه لا يعرف ماذا ينتظره…

متى يصير في استطاعة الزعماء في لبنان انتخاب رئيس للجمهورية من دون انتظار تدخل أي خارج؟ فمنذ عام 1943، اي منذ الاستقلال، وانتخاب الرئيس يتم بتدخل خارجي. فالشيخ بشارة الخوري انتُخب بتدخل بريطاني ونتيجة صراع على النفوذ يومئذ بين فرنسا وبريطانيا. وفي نهاية عهد الرئيس كميل شمعون، انتظر الزعماء في لبنان نتائج احداث 58 التي كشفت عن صراع اميركي – بريطاني على النفوذ في المنطقة بدأ مع سقوط “حلف بغداد” وكان سقوطاً لأول موقع نفوذ بريطاني فيها، وانتهى الانتظار بانتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية كونه خارج الاصطفافات السياسية كقائد للجيش، وبتوافق أميركي – مصري زمن الرئيس جمال عبد الناصر، مع انه كان خصماً سياسياً لأميركا وصديقاً بل حليفاً للاتحاد السوفياتي. وانتظر لبنان انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس شهاب، فصار اتفاق على تسوية عربية – دولية جاءت بشارل حلو رئيساً للجمهورية كونه معروفا بلونه السياسي الرمادي بين الألوان الفاقعة.

وانتظر لبنان نتائج الصراع الداخلي بين ما كان يعرف بـ”النهج الشهابي” وخصوم هذا النهج، فصار تنافس داخلي شديد بين مرشح “النهج” الياس سركيس ومرشح “تكتل الوسط” سليمان فرنجيه الذي فاز عليه بصوت واحد، وكانت المعركة الانتخابية الأولى وربما الأخيرة التي لم يكن فيها تدخل خارجي، أقله مكشوفاً، وأصبح التدخل مكشوفاً وغير مستور في ظل الوصاية السورية على لبنان، السياسية والعسكرية، ففرضت الياس سركيس من دون سواه رئيساً للجمهورية لأنه وافق على بقاء القوات السورية في لبنان للمحافظة على الأمن والاستقرار فيه. ثم انتظر الزعماء في لبنان تداعيات الاجتياح الاسرائيلي للجنوب وبلوغه العاصمة بيروت، فكان من نتائجه تأييد انتخاب الشيخ بشير الجميل رئيساً للجمهورية. وبعد أيام اغتيل فانتخب شقيقه الشيخ أمين خلفاً له بعد انسحاب المرشح كميل شمعون من المعركة. وانتظر الزعماء في لبنان نتائج مؤتمر الطائف الذي انتهى بوضع دستور جديد للبنان واتفاق على انتخاب رينه معوض رئيساً للجمهورية بتوافق عربي ودولي، لكنه اغتيل هو أيضاً بعد أيام فتم انتخاب الياس الهراوي خلفاً له بقرار سوري، وانتخب بعده العماد اميل لحود رئيساً بقرار سوري أيضاً.

وانتظر الزعماء في لبنان نتائج مؤتمر الدوحة، فكان اتفاق عربي واقليمي دولي على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية كمرشح توافقي، وعلى اجراء انتخابات نيابية على أساس قانون الستين معدّلاً، وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية توزعت المقاعد الوزارية فيها حصصاً بين القوى السياسية الأساسية في البلاد.

وها ان الزعماء في لبنان ينتظرون اليوم انتخاب رئيس للجمهورية بعد مرور أكثر من سنة على الشغور الرئاسي، فلا هم اتفقوا على انتخابه، ولا الخارج توصل الى اتفاق على انتخابه أيضاً، ما جعل حكومة “التسوية” كما يسميها “حزب الله”، وحكومة “المصلحة الوطنية” كما يسميها الرئيس تمام سلام، تتولى صلاحيات الرئيس بالوكالة، وهي تشهد كل يوم خلافاً بين أعضائها على استخدام هذه الصلاحيات، وقد نصّب كل وزير فيها نفسه رئيساً بحيث لا يمر مشروع في مجلس الوزراء إلا بموافقة الجميع ولا يصبح نافذاً إلا بتوقيع الجميع… ما جعل عمل الحكومة مهدداً بالتعطيل في كل وقت، وكذلك عمل مجلس النواب لخلاف على تحديد ما هو ضروري من المشاريع التي تطرح عليه وما هو غير ضروري. وكاد الجميع ينسى أن في لبنان أزمة انتخابات رئاسية وليس أزمة تعيينات أو مشاريع تخص هذا الوزير او ذاك. فلو إن تعطيل عمل الحكومة وتعطيل عمل مجلس النواب يعجّلان في انتخاب رئيس للجمهورية لكان الأمر مقبولاً، لكنه، ويا للاسفن يعجّل في دفع البلاد نحو الفراغ الشامل المفتوح على شتى الاحتمالات والاخطار وهو ما يريده أعداء لبنان الذين وجدوا “عدة شغل” لهم من زعماء فيه.

والسؤال المطروح الآن هو: ماذا ينتظر الزعماء في لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر؟ هل ينتظرون اتفاقاً في ما بينهم لم يتم التوصل اليه بعد مرور أكثر من سنة وبعد حوارات لم ينتج منها سوى عدم الاتفاق على انتخاب رئيس؟ هل ينتظرون اتفاق الخارج على انتخابه وأي خارج؟ هل ينتظرون توصل السعودية وايران الى اتفاق كي يخرج لبنان من الأزمة الرئاسية، أم ينتظرون التطورات في المنطقة ولا سيما في سوريا وما سوف تستقر عليه، أم التوصل الى اتفاق على الملف النووي الايراني، لمعرفة أي رئيس يكون للبنان أو أي لبنان يكون لأي رئيس؟ وهل يكون الرئيس القوي المقبول من الجميع، أم يكون الرئيس التوافقي الذي يصبح قوياً بتأييد الجميع؟

إن لبنان الذي ينتقل في كل استحقاق رئاسي من انتظار الى انتظار، لا يعرف حتى الآن ماذا ينتظره…