مكانك راوح الأزمة مفتوحة على الفوضى، ومعادلة يوم غدٍ الأربعاء فيها من التناقض ما يبعث على المزيد من اليأس، ففي حين يبدأ الحوار السياسي الذي دعا اليه الرئيس نبيه بري، ينزل المتظاهرون مطالبين بإسقاط الحكومة والبرلمان وبمحاسبة الطقم السياسي.
ليس هناك من احتمال بسيط لأي تفاهم بين السياسيين المتحاورين في الداخل وبين المتظاهرين الصارخين في الخارج “طلعت ريحتكم… كلّن يعني كلّن… وبدنا نحاسب… ونريد إسقاط الحكومة والنواب وجرّ الطقم السياسي الى السجون”؟
قطعاً ليس هناك شيء من هذا، فلقد كان واضحاً منذ اليوم الأول، ان المتظاهرين الذين طفح كيلهم من الزبالة المنزلية و”الزبالة السياسية” والفساد والتقصير والفوضى والسرقات والسمسرات وامتهان حقوق الشعب ودوس كرامته وتحقير مواطنيّته، يريدون اقتلاع الواقع وتغييره، لكنهم ويا للأسف لا يملكون أي تصوّر منطقي أو أي برنامج مرحلي يكفل عدم انزلاق حركاتهم الى الفوضى التي قد تنقل لبنان من درك الزبالة الى درك الخراب!
على رغم ان الرئيس تمام سلام قال منذ اليوم الأول، إن هناك في البلد نفايات منزلية ونفايات سياسية وطلب الاجتماع مع ممثلين للمتظاهرين، إلا أنهم رفضوا، إما لأنه لم يكن هناك من يملك حق تمثيلهم بعدما ساقهم الغضب تلقائياً على رغم اندساس الأشباح الذي يريدون دفع البلاد الى الفوضى بينهم، وإما لأنهم لا يملكون روزنامة مطالب يعرضونها!
هذه الفرصة لم تنقضِ،. يستطيع سلام الاجتماع معهم ومناقشتهم بحثاً عن خريطة طريق قابلة للتطبيق، يمكن ان تشكل مدخلاً الى مرحلة انتقالية تؤسس لحلول عميقة، ذلك أنه من المستحيل وربما من الجنون تدمير قارب الدولة المهترئ والفاسد والقذر والقفز الى الماء وليس من حطام تنظيمي يقينا الغرق!
لهذا تجمع دول العالم من الأمم المتحدة الى أميركا وروسيا والمجموعة الأوروبية والدول العربية، على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، لأن ذلك وحده يفتح الباب على تغيير الحكومة والذهاب الى انتخابات نيابية على أساس قانون عادل يوفّر تمثيلاً صادقاً يستطيع ان يحاسب مستقبلاً وان يزيل الروائح السياسية الكريهة.
المفارقة ان الجلسة رقم ٢٨ لانتخاب رئيس جديد فشلت يوم كانت تظاهرة العونيين تهتف “الإنتخابات وحدا بتنظّف”، صحيح بتنظّف، ولكن عن أي انتخابات نتحدث، عن انتخابات نيابية، ووفق أي قانون وفي إشراف أي حكومة وهناك من يطالب بصلب هذه الحكومة؟
أم عن انتخاب الرئيس من الشعب، ولكن أي شعب هو المقصود، هل “الشعب العوني” الذي نزل بالأمس الى وسط بيروت هاتفاً ومتظاهراً ومذكّراً بأن “نحن هنا”، أم الشعب الذي سبقه صارخاً “كلّن يعني كلّن”، أم الشعب الذي سينزل غداً لمواجهة الحوار طالباً محاسبة الجميع وإسقاط النظام… من يملك أجوبة ليتفضّل!