هل يمكن البناء على زيارة الرئيس حسن روحاني لكل من سلطنة عُمان والكويت في إقامة علاقات عربية – إيرانية حقيقية، بعيداً عن الشكوك والاتهامات وحتى الخوف الناتج من يوميات حروب ونزاعات تكاد لا تنتهي، يسقط فيها يومياً الأمل بحصول تغيير حقيقي وعميق ينقذ المنطقة من «براثن» قوى مغتصبة أو دخيلة لا تهمها غير مصالحها القديمة والحديثة والمستحدثة؟
لو كان حسن روحاني هو صاحب القرار النهائي لما كان هناك شك في أهداف الزيارة ولا في نتائجها. المشكلة أن روحاني لا يملك فعلياً القرار النهائي. في طهران يوجد المرشد آية الله علي خامنئي ومراكز قرار وقوى سياسية متنافسة ومتصارعة في الداخل وفي الخارج. بعض هذه القوى يتمركز في قلب السلطة ويحارب بقوّة وشراسة بكل ما يملك من قوة للاستحواذ النهائي على «القطار الإيراني» لوضعه على «سكّته» وخط سيره.
الرئيس روحاني اختار بعناية وجهة سفره إلى الخارج. عُمان كما قال روحاني هي مع إيران «حارسا مضيق هرمز على مرّ التاريخ، باعتباره ممراً
آمناً وحرّاً للتجارة الدولية». وهي أيضاً اليوم ما يشبه «العلبة السوداء» التي تحافظ على أسرار كثيرة وأساسية للمسارات الإيرانية وحتى وجهتها. ولا شك أن أبرز نجاحات السلطنة، كان في احتضان المفاوضات الأميركية – الإيرانية والمحافظة حتى الآن على أسرارها التي أنتجت الظاهر منها في توقيع الاتفاق النووي. لذلك فإن السلطنة قادرة على لعب أدوار ناجحة في أي صياغة مستقبلية للعلاقات الإيرانية – الخليجية. لكن ذلك لا يكفي، لأن السؤال الكبير يبقى ماذا سيقدم الرئيس روحاني ليأخذ، حتى ولو كان ذلك يخدم المنطقة كلها وليس إيران ودول الخليج العربية وحدها؟.
أما الكويت، فإن خصوصية وضعها، تساهم في تسهيل مهمّة الرئيس روحاني. من مصلحة الكويت أن يهدأ التوتّر في العلاقات الإيرانية – العربية. هذه التهدئة تساهم مباشرة في «تبريد» السياسة العراقية تجاه الحقول النفطية المشتركة في المنطقة، إلى جانب أن أي إزالة للتوتّر الإيراني – العربي عامل مُنتج للجميع. الكويت قادرة على لعب دور إيجابي كبير، لكن لا يكفي أن تكون الكويت والرئيس حسن روحاني يريدان الحل والنجاح حتى ينجحا، خصوصاً في ظلّ حروب حقيقية في اليمن وسوريا والعراق.
لا شك أن الرئيس حسن روحاني، وهو يخوض هذه المهمة، يفتقد «حصن» الجمهورية آية الله هاشمي رفسنجاني وعقلها المعتدل. يعرف روحاني وقالها بوضوح إنه «بالإمكان تسوية جميع القضايا في المنطقة بالحوار». المشكلة أن القاعدة الأولى لنجاح أي حوار هي عدم الذهاب إلى طاولة الحوار وأحد الأطراف يعتبر أنه انتصر في الحرب، فالحوار لا يكون بين منتصر ومهزوم مهما طال زمن الهزيمة. لذلك عندما يقول المرشد آية الله علي خامنئي إنه «في جميع قضايا المنطقة تقريباً لن تتقدم الأمور من دون حضور إيران وإرادتها»، فإن هذا يُشكّل تنبيهاً وتهديداً في الوقت نفسه. فما صنعته إيران لنفسها بقوّة التدخّل بالوكالة وأحياناً مباشرة قادرة على تأكيده وتثبيته ونشره بالوسائل نفسها.
من الواضح أنه توجد في إيران رؤيتان وسياستان حالياً لمواجهة التغيرات وإمكانية التقييد الاقتصادي القوية نتيجة للسياسة «الترامبية» في المنطقة، التي مهما كانت طبيعتها فإنها على الأقل لن تكون «متسامحة» كما كانت في فترة الرئيس باراك أوباما.
* الاتجاه الأول، وهو الروحانيون والمعتدلون والإصلاحيون، يرى ضرورة «تبديد سوء الفهم ورفع مستوى العلاقات عبر الحوار مع دول مجلس التعاون الخليجي على قاعدة أن إيران هي أيضاً بوابة الخليج نحو آسيا الوسطى، وأن يكون هدف التنسيق إيجاد الأمن والاستقرار والتنمية، وفي قلب ذلك تطوير العلاقات المصرفية».
* الاتجاه الثاني وعلى رأسه المرشد خامنئي وكل المتشددين وعلى رأسهم القيادة الحالية لـ«الحرس الثوري» و«حزب الله»، يعتبر أن على الآخرين القبول بأن «انتصاراً كبيراً قد حصل في سوريا»، و«أن الانتصار قادم في اليمن»، ولهذه الانتصارات إضافة الى عجز إسرائيل عن شنّ أي حرب على لبنان، أثمان يجب دفعها مسبقاً قبل أي ترتيبات. وتمهيداً للتسليم بذلك، فإن التحضيرات تجري بسرعة للإمساك نهائياً بالداخل الإيراني، حتى يصبح هذا الداخل صوتاً واحداً وبندقية واحدة، بدل «مصالحات» إيرانية داخلية كما طالب الرئيس الأسبق وزعيم الإصلاحيين محمد خاتمي.
صوت الانتصار الذي خاطب به المرشد آية الله علي خامنئي والسيد حسن نصرالله يفرض مفاعيله، لأن الهزيمة لم تقع، حتى ولو كانت الأطراف المواجهة سواء الداخلية منها أو الخارجية مصابة بالضعف. والمثل واضح. صحيح أن الطيران لا يصنع انتصاراً، ولكن أيضاً القوى البرية بدون غطاء «جوي» لا تصنع انتصاراً (الدليل أن كل القوى البرية من الجيش السوري و«المستشارين» الإيرانيين من الجنرالات وغيرهم و«حزب الله» وكل الميليشيات الشيعية لم تصنع انتصار حلب بدون الطيران الروسي).
أمام هذه المعادلة العسكرية التي يمكن أن تُترجم سياسياً في قيام تحالفات و«فكفكة» أخرى، فإن كل شيء ممكن خصوصاً أن لا أحد على خريطة المنطقة منذ «قورش» حتى اليوم استطاع إلغاء الطرف الآخر.