IMLebanon

«الذئاب المنفردة» والشيطان الأخرس!

لم يعد من الجائز أو المقبول السكوت عن الموجة الإرهابية الجديدة في أوروبا والدول العربية التي وقعت على رغم التحذيرات المتكررة من توزيع مجموعات من الإرهابيين الذين أطلق عليهم تسمية «الذئاب المنفردة»، وهم أعضاء في «داعش» وغيرها، جرى نشرهم في دول العالم كخلايا نائمة تتحرك عندما تعطى الأوامر ضمن تكتيك محدد سلفاً. فمثل هذه العمليات كان متوقعاً بعد حصار التنظيم الإرهابي في سورية والعراق وظهور مؤشرات عن قرب انتهاء هذه الظاهرة المشبوهة التي أدت دورها المطلوب في التدمير والتفتيت وتشويه صورة الإسلام وتمهيد الطرق للقوى الأجنبية لتتدخل في الشؤون العربية وتعيد عهود الاستعمار والتبعية.

وعلى رغم وجود ألف سؤال وعلامة استفهام في شأن كيفية ظهور «داعش» والمماطلة في القضاء عليها والسماح لها بالتمدد ثم الغموض في عملية القضاء عليها، فإن كل الدلائل تشير إلى أن الآتي أعظم والتصعيد سيكون أكبر، ما يستدعي استنفار كل القوى والدول والمؤسسات والإعلام لمواجهة هذه الآفة.

والأخطر من هذه العمليات يكمن في اللامبالاة لدى الرأي العام وحالة الاسترخاء التي تتبع كل عملية، وكأن الناس يلعبون دور الشيطان الأخرس الساكت عن الحق. ولهذا، يجب الاعتراف بأن المواجهة لن تنجح إلا بتضافر كل القوى في العالم والحوار ورفع راية الاعتدال ومحاربة الإرهاب بأسلوب حضاري يتخلى عن الأساليب البالية والعقد القديمة التي لعبت دوراً في الوصول إلى ما وصلنا إليه.

فالوضع اليوم لا يحتمل المماطلة من جانب الطرفين الغربي والعربي والإسلامي، لأن المخاوف تتزايد من إشعال نار حروب دينية وطائفية ومذهبية، ما يتوجب على كل إنسان أن يرفع صوته عالياً ضد عمليات الإرهاب وقتل الأبرياء، وكان آخرها في لندن ومن قبلها ما جرى للإخوة الأقباط في مصر، فإذا كان السكوت من ذهب فإنه في أيامنا هذه من دم ودموع.

فجوهر المعضلة يكمن في سياسة الإنكار والاستخفاف بالأخطار، إلا أن المصيبة الأعظم تعود إلى أن البعض ما زال يعيش في أوهام صراع الحضارات ورفض الآخر المسلم، في مقابل العيش في أحقاد الماضي وآلامه، وهذا ما يفسر الرفض المطلق لدى قادة الاتحاد الأوروبي لانضمام تركيا إليه.

إلا أن هذا التعنت لم يعد يفيد ويؤدي إلى التهلكة جراء سلسلة أخطاء وجرائم ارتكبت في فلسطين وغيرها وعدم الجدية في فتح نوافذ الحوار لدرء الأخطار وكسب ود بليون و٣٠٠ مليون مسلم.

يُضاف إلى ذلك وجود عشرات الملايين من المسلمين في الغرب من الذين يحملون جنسيات دوله ويلعبون دوراً مهماً في دنيا المال والإعلام والاستثمارات، عدا عن بلايين الدولارات التي ينفقها السياح العرب والمسلمون، أو من طريق عقود الشركات وشراء سلع وأسلحة… وغيرها.

وجاءت موجة الإرهاب الأخيرة لتزيد من حدة الأزمة بعدما ضربت قلب العواصم والمدن الأوروبية وحصدت أرواح المئات، جلّهم من المدنيين، وكلفت الموازنات بلايين الدولارات.

واللافت أن معظم العمليات الأخيرة جرت على أيدي شبان يحملون الجنسيات الأوروبية، وهم من أصول عربية- إسلامية وترعرعوا في مجتمعات غربية، ما يستوجب البحث عن أسباب إقدامهم على هذه الأعمال المنكرة على رغم تمتعهم بالميزات والتقديمات، فيما مئات الملايين في ديارهم يعيشون في حرمان وفقر.

والسؤال المطروح منذ زمن يدور حول سر التساهل في ملاحقة أوكار التطرّف بعد قدوم مئات المتطرفين إلى أوروبا، ثم نسمع بعد كل عملية أن مرتكب الجريمة كان معروفاً لدى الأمن، أو أنه كان موقوفاً.

أما «أسطوانة» حقوق الإنسان، فأصبحت مشروخة بعدما وصلت سكاكين الإرهاب إلى الرقاب. ولم يعد خافياً على أحد أن أوروبا، وبريطانيا بالذات، استقبلت مئات المتطرفين والمعارضين لأنظمتهم وتركتهم يسرحون ويمرحون.

وبعد استفحال الأوضاع، بدأت تصدر دراسات وبحوث تحذر من المستقبل في ضوء الأرقام المنشورة عن المتغيرات الديموغرافية جراء ازدياد أعداد المسلمين من أبناء الجاليات العربية والإسلامية في مقابل تناقص عدد الأوروبيين لأسباب اجتماعية ومالية وعدم إنجاب أكثر من ولد أو ولدين في كل عائلة.

ونشرت قبل أشهر عدة تقارير تضخم الأمور وتتحدث عن تغيير كامل في الغرب، وفق المعطيات التالية:

– هناك حوالى ٥٢ مليون مسلم في أوروبا اليوم، وينتظر أن يتضاعف العدد إلى ١٠٤ ملايين خلال ربع قرن.

– في أميركا ٩ ملايين مسلم يحملون الجنسية الأميركية ويتوقع أن يصل عددهم إلى 50 مليوناً بعد ٣٠ سنة.

– في روسيا ٢٣ مليون مسلم روسي، عدا عدد سكان الجمهوريات الإسلامية.

– في بلجيكا ٢٥ في المئة من عدد السكان من المسلمين و٥٠ في المئة من الولادات لمسلمين بنسبة ٣ إلى واحد للبلجيكيين في عام ٢٠٢٥.

– في ألمانيا سيُصبِح عدد المسلمين في عام ٢٠٥٠ مساوياً لأعداد الألمان (١٠٥ ملايين).

وبصرف النظر عن دقة هذه الأرقام وموضوعيتها، فإن الواجب يقتضي أخذها على محمل الجد والاستعداد للتعامل مع الواقع، ليس بالعنف ولا بالعنصرية ونشر سموم نظرية «صراع الحضارات» و «الإسلاموفوبيا»، أي الخوف من الإسلام، بل بالحوار والإجراءات الجدية تفترض بالأوروبيين أن يدرسوا جذور هذا التحول وأسبابه ومعالجة أسباب العزوف عن إنجاب الأولاد، ومن ثم التدقيق في هويات القادمين الجدد لفرز من هو أهل للإقامة والعمل واحترام القوانين ومنع من يشتبه بتطرفه واحتمال كونه من «الذئاب المنفردة».

إلا أن القرارات الحاسمة والضرورية يجب أن تقوم على فتح باب الحوار في اتجاهات عدة:

– داخلية لمعالجة مشكلات أبناء الجاليات وهمومهم وتعميم ثقافة الحوار وقبول الآخر وفتح ثغرات في جدران الـ «غيتوات» المنتشرة في كل المدن، إضافة إلى محاربة الفكر المتطرف ووقف نشاط دعاة التكفير والعنف وعدم الانصياع للقوانين المحلية.

– خارجية عبر التنسيق بين مختلف دول العالم لإيجاد معالجة جذرية لآفة الإرهاب وعزل دعاته عن الغالبية العظمى من المسلمين الراغبين بالعيش بسلام وأمان والتعايش مع مختلف المواطنين.

وبعد معالجة مشكلات الجاليات، لا بد من بدء حوار فاعل مع قوى الاعتدال الإسلامي من دول وجمعيات ورجال دين وإعلام وثقافة، فمن غير المعقول ولا المقبول إلصاق تهمة الإرهاب ببليون و300 مليون مسلم، بينما لا يتجاوز عدد التكفيريين والإرهابين والمتطرفين ملايين عدة. ولهذا، فإن على قادة الغرب وروسيا أن يدركوا هذا الواقع ودرء الأخطار المقبلة قبل فوات الأوان، بالاعتراف بالآخر المسلم والتعامل معه معاملة الند للند وتشجيع قوى الاعتدال والتقارب، إذ ليس هناك من خيار آخر أمام الجميع: إما الحوار مع الاعتدال، وإما المواجهة مع التطرف، ومن ثم جر الأكثرية من المسلمين إلى الجانب الآخر، وعندها فإن المصيبة ستكون أعظم.

ولا بد أخيراً من أن يدرك المسلمون أن العنف يضرّ بهم وبالإسلام ويشوّه صورته ويدفع إلى مواجهة مدمرة ويشجع على تأجيج نار العنصرية والإرهاب. كما أن على القيادات وأصحاب الحل والربط أن يستيقظوا من غفوتهم ويتعاملوا مع المتغيرات ويهتموا بشؤون الجاليات العربية والإسلامية التي تواجه أخطاراً كبرى، إما من طريق حملة التحريض، فعندها يتشكل رأي عام معارض لوجودها وتقوية أحزاب اليمين المتطرف، أو على يد المتطرفين الذين يسعون إلى معركة في المعقل الأوروبي بتجنيد آلاف الشباب وكسب تأييد أبناء الجاليات بالترهيب والترغيب.

إنها صرخة آمل بألا تكون في واد، لأنه لم يعد من الجائز السكوت على ما يجري ورؤية الأخطار المقبلة من دون اتخاذ خطوات أو حتى الخروج من دائرة الصمت القاتل.

وأختم مع الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت ومقولته الشهيرة: «إن العالم يعاني كثيراً، ليس بسبب العنف والأشخاص السيئين وحسب، بل بسبب سكوت الأشخاص الجيدين». وهذا ما نعاني منه فعلاً، وهو السكوت عن كل ما جرى ويجري، واتقان دور الشيطان الأخرس والتعامل بلا مبالاة مع الجرائم وقتل الأبرياء.