IMLebanon

السنيورة: على الحكومة أن تكون مصغّرة من اختصاصيين… والمداورة أساس الإصلاح

 

«سمّينا رئيساً غير سياسي لقاء العودة إلى احترام الدستور والطائف… قمنا بالتضحية والآن دور الآخرين»

 

 

يتحدّث الرئيس فؤاد السنيورة عن تضحية كبيرة قام بها رؤساء الحكومات السابقون الأربعة حين رشّحوا شخصية غير سياسية لرئاسة مجلس الوزراء. في قناعته أن المرحلة الصعبة تحتاجحكومة مستقلة من اختصاصيين لكن رئيسها يُفترض أن يكون مجرّباً ذا خبرة سياسية، تماماً كما قبطان الطائرة الذي عليه أن يكون متمرساً وقادراً على مواجهة العواصف والمطبّات ليصل بالركاب سالمين.

 

ما قاموا به استدعته المبادرة الفرنسية التي وجدوا فيها نافذة يمكن من خلالها تخفيف اندفاعة السقوط. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه هو الذي حذّر من أن لبنان لن يكون بمقدوره بعد شهرين استيراد القمح والدواء. هو مع التقاط أي فرصة ولو لاحت في «ألاسكا». هذا لا يعني حرف الأنظار عن مكامن الخلل الأساسية، حيث أصل المشكلة سياسي ويتمثل بسيطرة «حزب الله» على مقدّرات الدولة التي تبتلعها الدويلة، ولكن إذا كان المبادرة الفرنسية قادرة على وقف اندفاعة الانهيار، وبدء مسار الإصلاح، فهذا عمل يصبّ في مصلحة البلد.

 

يقول: «إن الرئيس سعد الحريري هو الذي سمّى السفير مصطفى أديب. وحين أبلغ الحريري – خلال الاجتماع – الاسم لماكرون، طلب منه الأخير أن يُسمّي ثلاثة أسماء، فكان أن أضاف محمد الحوت ونجيب ميقاتي وليس غسان عويدات كما أُشيع». في روايته نفي لما قيل عن أن طه ميقاتي هو الذي جاء باسم أديب. يجزم السنيورة أن الاسم طرحه الحريري.

 

لا يرى في إقدام الرؤساء الأربعة على ترشيح الاسم نسفاً لاتفاق الطائف. هم نادٍمن أربعة أشخاص قاموا بهذه الخطوة وقدّموا رأيهم بعدما وصل الآخرون إلى المأزق نتيجة تسميتهم حسان دياب والاستهزاء بموقع رئاسة الحكومة والمماطلة بالاستشارات. لم يتمّ فرض المرشح، فالنواب كان لديهم حرية التسمية. لم تأتِ التسمية من دار الفتوى وبمعيتها ورعايتها كما حصرت بكركي مرشحي رئاسة الجمهورية بالأسماء الأربعة، وتبنّت نظرية الرئيس القوي. حينذاك، زارها السنيورة للقاء البطريرك ليقول من على منبرها إن اختيار رئيس الجمهورية قرار وطني وليس قراراً مسيحياً مارونياً، وأن أحداً لا يطالب بأن يكون الرئيس ضعيفاً بل أن يكون قوياً في بقية الطوائف.

 

«التضحية» بألا يكون رئيس الحكومة سياسياً جاءت لقاء مكسب يتمثل بعودة الآخرين إلى احترام الدستور واتفاق «الطائف». هم من جهتهم وضعوا «النموذج» ودفعوا الثمن من أجل إنقاذ البلاد. الآن على الآخرين أن يُقدّموا وأن يتحملوا المسؤولية. لا يقول السنيورة ما إذا كانت «ضمانات مُعيّنة» أُعطيت لهم. ما يُفهم من حديثه أن تعويلاً كبيراً من قبلهم هو على المبادرة الفرنسية، التي لا يمكن النظر إليها سوى على أنها مغامرة فرنسية نظراً إلى صعوبة الوضع اللبناني.

 

عراضة هنية في مخيم عين الحلوة مرفوضة وتُعيدنا إلى أجواء 1982… وهي رسالة بتوقيع «حزب الله»

 

جاءت فرنسا إلى لبنان بعد كارثة المرفأ وعلى وهج عطف العالم فقط لمعالجة تداعيات هذه الكارثة. لا شك أن لفرنسا حنيناً للروابط التاريخية، ولكن أيضاً، وجد ماكرون فرصة في ظل التوتر في منطقة الشرق الأوسط، فحطّ في بيروت بعد يومين من الانفجار، ونظم مؤتمراً افتراضياً لدعم لبنان، وذهب إلى العراق ولديه مصالح مع إيران. يتحرّك من أجل ضمان موطئ قدم في المنطقة عبر لبنان والعراق في مقابل تركيا وطموحاتها في شرق المتوسط، وأن يكون لبلاده، عند إعادة ترتيب المنطقة، تأثير ضمن الاتحاد الأوروبي ولاسيما بعد خروج بريطانيا وترقب تقاعد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. هي فرصة للرئيس الفرنسي، لكن الرجل يضع رصيده في الملف اللبناني، والمصلحة اللبنانية تقتضي ألا نُغفل شُق النافذة الذي فُتح للبنان، وأن نعمل على توسيعه.

 

وإذا كانت أولى الخطوات قد تحققت بتسمية الرئيس المكلف الذي أُعطي فرنسياً 15 يوماً لتأليف الحكومة، فإن التحدي راهناً في مدى قدرة أديب على تأليف الحكومة التي لا بد، من وجهة نظر الرؤساء الأربعة، أن تكون مصغرة ومؤلفة من اختصاصيين وتعتمد مبدأ المداورة في الحقائب.

 

فالمداورة، يقول السنيورة، هي اللبنة الأولى في سلوك درب الإصلاح المنشود، ليس فقط لأن تداول السلطة هو ركن أساسي في النظام الديموقراطي، بل لأن المطلوب تحرير الإدارات والوزارات من أن تكون مستتبعة للأحزاب وحكراً على جماعات بعينها، لإدخالها في فترة نقاهة، بما يعطي مؤشراً إيجابياً على النية بالإقلاع عن الممارسات السابقة ووقف الهرطقات التي تُنسب إلى الدستور والطائف، ومنها حصر الحقائب السيادية الأربع (الداخلية والدفاع والمالية والخارجية) بالطوائف الأربع الكبرى (سنة وشيعة وموارنة وأرثوذكس)، عائداً بالذاكرة لحقبات حكومية استلم فيها الدروز حقائب الداخلية والمالية والدفاع، والكاثوليك الخارجية.

 

السنيورة يرفض بشدة الكلام القائل بوجود اتفاق بمنزلة «العُرف» جرى في الطائف بإسناد وزارة المالية إلى الطائفة الشيعية. ويعتبر أن الأمور رهن بخواتيمها، داعياً إلى عدم الاستعجال في الاستنتاجات، فما نراه من رفع للسقوف عند بعض القوى السياسية هو جزء من لعبة تحسين الشروط. بدا حاسماً أن تيار «المستقبل» لن يكون في الحكومة، ومؤكداً على استمرار التواصل ولقاءات التنسيق بين الرؤساء الأربعة من دون الحاجة إلى الإعلان عن ذلك في كل مرة، مشيراً إلى أن لا اتصال دائماً مع الرئيس المكلف على مستواه الشخصي، من غير أن يستبعد أن يكون التواصل بين أديب والرئيس الحريري قائماً.

 

حين سئل خلال لقائه مجموعة من الصحافيين: ماذا إذا فشل أديب؟ رد رئيس الحكومة الأسبق بالقول: «سيكون عندها إعلان الفشل الكبير للدولة اللبنانية. الأميركي يحافظ على مسافة، وفي حال انتظار، لا يريد أن ينخرط راهناً ولكن إذا ظهرت مؤشرات إيجابية ونجاحات معيّنة يصعد على المركب، وإذا فشلت المحاولة الفرنسية يبقى بمنأى عن تداعيات فشلها. واقع الخليجيين ولاسيما المملكة العربية السعودية مشابه للواقع الأميركي».

 

وفي غمرة الأثقال التي يُعانيها لبنان ودقة المرحلة التي يمرّ بها، تأتي «أفعال» رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية خلال زيارته إلى بيروت لتُعقّد المشهد. بالنسبة إليه، لا مشكلة في أن يزور هنية لبنان للمشاركة في مؤتمر يخص القضية الفلسطينية، لكن ما هو مرفوض وغير مقبول العراضة المسلحة التي قام بها في مخيم عين الحلوة، وإطلاقه مواقف تُعيد إلى الأذهان الأجواء التي أحاطت بلبنان في العام 1982 ما قبل الاجتياح الإسرائيلي. لا يستقيم النظر إلى سلوك هنية بمعزل عن كونه رسالة بتوقيع «حزب الله»، ستصل ارتداداتها إلى المبادرة الفرنسية والموقف الدولي من لبنان عاجلاً أم آجلاً.