Site icon IMLebanon

السنيورة يحمي الحَراك الثوري والمؤسّسات بمثوله أمام القضاء… ويفتح الطريق!

 

 

بري أول من أثار الموضوع  و«التيّار الوطني الحُّر» تلقّفه…  والغاية هي سياسية لا حسابية

 

هل يستدعي المُدَّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم المدير العام لوزارة المالية ألان بيفاني بعدما استمع أمس إلى رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة حول ملف صرف الـ11 مليار دولار يوم كان رئيساً لحكومتي ما بين 2005 و2009؟ مردّ السؤال هو أن جلسة الاستماع تتعلق بهذا الملف تحديداً، ونجحت شراسة الحملة وتوجيهها للنيل من السنيورة بتصوير الموضوع وكأن هناك اختفاءً لهذا المبلغ من حسابات المالية العامة للدولة، بمعنى أن الـ11 ملياراً جرت سرقتها!

 

قضية الـ11 مليار دولار أضحت «مسمار جحا» و«غب الطلب». هي فُتحت للمرَّة الأولى لأهداف سياسية لا دفترية، نتيجة المرحلة السياسية التي كانت تمر بها البلاد أيام حكومة السنيورة الذي استمر في عمله، بعد استقالة «الثنائي الشيعي» منها واعتبارها «ساقطة ميثاقياً» لا قانونياً، عشية الجلسة الحكومية لإقرار مسودة المحكمة الدولية المتعلقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. فبعد يومين من الاستقالة، اجتمعت الحكومة وأقرَّت المسودة، ذلك أن استقالة ممثلي «حزب الله» وحركة «أمل» لم تُطح بالحكومة نتيجة عدم استقالة ثلث أعضائها. وهو ما يُفسِّر لاحقاً إصرار محور «الثامن من آذار» على الإمساك بالثلث المعطل عبر مفاعيل «غزوة» السابع من أيار 2008.

 

وكانت أولى المرات التي أثيرت فيها هذه المسالة في الثاني من حزيران 2010 على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو خارج من قصر بعبدا، حيث قال: إن مجموع الإنفاق خلال السنوات الأربع 2006 – 2009 تخطى المجموع المسموح به على أساس القاعدة الاثني عشرية بمبلغ أحد عشر مليار دولار، مما أوحى بأنه إنفاق غير قانوني للأموال أو أنها أموال جرى تبديدها. لاحقاً استكمل «التيار الوطني الحر» في كتاب «الإبراء المستحيل» عام 2013 المهمة.

 

لماذا يُصبح طلب الاستماع إلى بيفاني ضرورة؟ لأنه مدير عام المالية القادر على الإجابة عن هذا السؤال. وهو فعل ذلك بوضوح لا لبس فيه في مؤتمره الصحافي الذي عقده في السادس من آذار 2019، حين سُئل: هل بيَّنت الحسابات التي قمتم بها أين ذهبت الـ11 ملياراً؟ فأجاب: «قضية الـ11 ملياراً ليست قضيتي، الـ11 ملياراً كانت تجاوزاً على ما تسمح به القاعدة الاثني عشرية من إنفاق، وهذا الموضوع دستوري يتعلق بمجلس النواب وبمحاسبة الحكومات وهو ليس من شأني. أما في ما يتعلق بإعادة تكوين الحسابات، فالـ11 ملياراً المصروفة موجودة قرشاً وقرشاً في الحسابات، ومعروف أين هي مصروفة. وإذا سألتموني بمنتهى الشفافية لا أعتقد أن الـ11 ملياراً فيها ما يُخيف لأنها موضوع دستوري كبير، ولكن هذا الشق تمكنّا من تبويبه بسهولة وليس كالأمور التي اضطررنا لأن ننبش فيها تحت الأرض لتركيب الأرقام على بعضها البعض».

 

يومها جاء مؤتمر بيفاني في السادس من آذار الماضي رداً على المؤتمر الصحافي للسنيورة في الأول من آذار، الذي طلب من المُدَّعي العام المالي أن يسأل بيفاني بُعيد استدعائه رئيس الحكومة الأسبق للاستماع إليه في هذا الملف، والذي عمد «حزب الله» على لسان أمينه العام إلى إثارته في إحدى إطلالاته الجماهيرية، مقدماً مهمة جديدة لحزبه وهي مكافحة الفساد.

 

حسناً فعل السنيورة بقرار توجهه إلى المدعي العام المالي. فحين سمع أن المدعي العام التمييزي أرجأ الجلسة إلى الخميس المقبل تحت ذريعة أن السنيورة لم يتبلغ، رفض الأخير أي إبطاء، وذهب ليقول ما عنده. كان في ذهن السنيورة أن الامتناع عن تلبية طلب إبراهيم يُشكِّل ضربة لمسار الحراك الثوري الراهن، والذي يرى فيه نقطة ضوء حقيقية لقيامة لبنان بعدما أبدى خشيته مراراً من أمرين: الأول، العمل المستمر لتخريب عقول اللبنانيين وحقنها بكل الشوائب الطائفية. والثاني، استفحال ضرب منطق المؤسسات وتفشي الفساد والمحاصصة في إدارة الدولة. كان عبَّر عن قلقه نتيجة الاستهداف المُمنهج لمرتكزات الدستور واتفاق الطائف وعمليات القفز فوقهما لإرساء أعراف موازية بموازين القوّة التي أصابها الخلل. وكان على الدوام يعتبر أن المعالجة الناجعة لا يمكن أن تقتصر على حلول اقتصادية – مالية، بل تحتاج إلى حلول سياسية بالعودة  أولاً إلى الالتزام بالدستور.

 

مزعجٌ هو السنيورة للجميع، حلفاء وخصوم. مزعج لـ «الثنائي الشيعي» الذي ذاق منه الأمرَّين، ويُعتبر الأشدّ صلابة في مواجهتهما. كان إخراجه من المشهد السياسي انتصاراً كبيراً لكل هؤلاء. لا يعني ذلك بالضرورة تأييد الرجل في السياسات التي اعتمدها يوم كان وزيراً للمالية على مرّ حكومات الحريري الأب، ولا سيما السياسات الضريبية وغيرها. يمكن مقارعته كما آخرين في كثير من الإخفاقات التي واجهت البلاد، وفي رؤيته لدور لبنان الاقتصادي، ويمكن مساءلته عما إذا كانت ثمة مخالفات دستورية في كيفية صرف الـ11 مليار دولار ولأي أسباب، ولكن ليس في ما إذا كانت صُرفت أم لا، ذلك أن عملية الصرف مُوثّقة بشكل دقيق في حسابات المالية العامة، وفق بيفاني.

 

وإذا كان الاتجاه للبحث في دستورية الصرف خارج القاعدة الاثني عشرية، وبالتالي محاسبته، فإن ذلك لا ينطبق فحسب على حكومتي السنيورة، بل على كل الحكومات التي تلت، ومنها الحكومات التي تشكّلت ببركة كل القوى السياسية ولا سيما «الثنائي الشيعي» و«التيار الوطني الحر».

 

لا شك أن السنيورة بحضوره أمام القضاء فتح الطريق، لكن المهم أن تسلك السلطة القضائية طريقاً مستقيماً بعيداً عن التوظيفات السياسية وعن استخدامها كأوراق ضغط للتطويع، وبعيداً عن سلوكها درب حرف الأنظار عن مكامن الفساد حيث هي لتغطية هذه الجهة أو تلك.