بين التمسّك بالسلّة المتكاملة وأولوية انتخاب الرئيس، عادت الأمور في الجلسة الأولى لثلاثية الحوار إلى النقطة الصفر. لا جديد على طاولة البحث، إذ يتشبّث كل طرف بموقفه، وفي ظل تشاؤم غالبية المشاركين في الحوار من إمكان التوصل إلى اختراق جدي في ملف قانون الانتخابات
لم يختلِف كثيراً مسار «ثلاثية» الحوار التي بدأت أمس في عين التينة عن الجلسات السابقة لناحية المضمون، رُغم الزخم الذي أُعطي لها. حتّى إن تنبيهات رئيس مجلس النواب نبيه برّي من خطر أكيد، في حال عدم التوافق على السّلة المتكاملة، لم تجدِ نفعاً. إذ تمسّك كل طرف بموقفه منها.
حتى الموقف الذي أطلقه رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة وفاجأ البعض، حين تحدّث عن أن «لا مانع لدى تيّار المستقبل من التراجع عن دعم ترشيح الوزير سليمان فرنجية، والذهاب نحو رئيس توافقي»، أتى في سياق رده على رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، إذ قال السنيورة: «لدينا مرشحان، كلاهما من 8 آذار. فلنذهب إلى مجلس النواب، ولننتخب احدهما، ونهنّئ الفائز. وإذا أردتم مرشحاً توافقياً، فنحن مستعدون». ثم اعاد السنيورة تأكيد تمسك تيار المستقبل بترشيح فرنجية.
لم تطل جلسة الحوار كثيراً مع التزام برّي موعداً مع رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي. ساعتان فقط، بدأهما رئيس المجلس باقتراح أن يكون قانون الانتخابات العتيد هو مفتاح الحلّ لكل الملفات الأخرى، إذ إن هذا القانون من شأنه وحده أن يغيّر المعادلات، ويفتح الأبواب الموصدة على رئاسة الجمهورية وما وراءها. بدا الرئيس برّي مستعجلاً، وتوجّه إلى المتحاورين بالقول: «إذا لم يكُن هناك من يعترض على المبدأ، سأطرح في جلسة الغد (اليوم) أفكاراً جديدة تتعلّق بقانون الانتخابات، بعد فشل اللجان المشتركة في التوصل إلى اتفاق حوله». لكن سرعان ما باغته السنيورة (مسجلاً تحفّظه) وتوجّه إلى برّي بالقول: «بفهم من حكيك إنّك عم تدفش موضوع الرئاسة لورا»؟ فأجابه برّي: «إذا اتفقنا على الرئيس كان به، وإذا لم نتفق، فلا يجب أن يمنعنا ذلك من التوافق على قانون انتخابات». هنا تدخّل وزير الاتصالات بطرس حرب لمؤازرة السنيورة، داعياً إلى «التزام الدستور والمباشرة بانتخاب رئيس للجمهورية»، ليفتح النقاش في أزمة الرئاسة وضرورة أن تكون البند الأساس الذي يناقشه المتحاورون، ويعلّق رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل بالدعوة إلى الفصل بين اتفاق الطائف والدستور قائلاً: «صحيح أننا نعترض على كيفية تطبيق الطائف، ولكننا نرى اليوم أن من الأفضل التزام الدستور والنزول إلى ساحة النجمة لانتخاب رئيس للجمهورية، والتصويت على قانون انتخابات».
هذا الجدل لم يحسمه إلا رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي أكد أمام الحاضرين أن «الظروف الدولية والإقليمية ليست مواتية لانتخاب رئيس». وبدأ الحاضرون التركيز على أهمية التوصّل إلى اتفاق شامل، من خلال سلّة متكاملة شبيهة باتفاق دوحة لبناني، كما ردّد الرئيس بري.
هنا، رمى السنيورة «فتيشته»، وبلغة جازمة قال: «نحن في المستقبل لا نعارض الحل. لقد تبنّينا، من قلبنا وربنا، ترشيح الوزير سليمان فرنجية، لكن إذا أردتم رئيساً توافقياً، فنحن مستعدون للتراجع عن هذا الدعم، والذهاب نحو خيار توافقي». كلام السنيورة استفزّ فرنجية الذي، بحسب مصادر الجلسة، «نظر إلى السنيورة نظرة استغراب»، من دون أن يفهم ما إذا كان الأخير ينقل رسالة من الرئيس سعد الحريري أو أن كلامه «اجتهاد شخصي منه». لكن رئيس كتلة المستقبل عاد واكّد التزام تياره دعم فرنجية، فيما كرّر رعد التأكيد أن «العماد ميشال عون كان ولا يزال هو مرشّحنا، ونحن لن نتراجع عن دعمنا له إلا إذا قرّر هو التنازل عن ترشيحه».
ولحسم النقاش، عاد برّي إلى الحديث عن قانون الانتخاب، وعليه جرى الحديث عن محاولة استحداث خرق في النظام الانتخابي. وفي هذا الإطار، لفتت مصادر الجلسة إلى أن «الأفكار الجديدة التي تحدّث عنها الرئيس برّي تنطوي على قانون انتخاب يجمع النظامين الأكثري والنسبي، لكنه يختلف عن القانون المختلط الذي تقدّم به النائب علي بزّي سابقاً». مجدداً، تدخّل السنيورة، معتبراً أن «ما يحصل تجاوز للدستور»، لكن برّي علّق بالتحذير من «الارتدادات السلبية التي ستنجم عن عدم التوصل إلى حلّ خلال الجلسات الثلاث»، وأصر على استكمالها بعدما اقترح بعض الحاضرين «اختصار الجدول الزمني».
رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، أكد «أننا لن نقبل بأي قانون انتخابي ليس فيه قاعدة واضحة ومعيار واحد في التعامل»، و«نحن نريد قانون انتخابات يحقق العدالة». أما رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال إرسلان، فشدد على «ضرورة إحداث خرق في قانون الانتخاب، الأمر الذي من شأنه المساهمة في الوصول إلى حلّ». بعد انتهاء الجلسة خرج المتحاورون بنفس المُتشائم. رغم محاولتهم تأكيد «إيجابيتها وجدّيتها»، كان يكفي أن يتحدّث جنبلاط عن «عقبات وعراقيل»، وينتقد الجميّل «عدم الشعور بالمسؤولية تجاه الناس»، وأن يعتبر الرئيس نجيب ميقاتي أن «موسم القطاف لم يحِن بعد»، حتى يعُاد تأكيد المؤكد: «لا اتفاق على السلة المتكاملة». إذاً هي جلسة «طرق أبواب الحل لا فتحها» كما ارتأت المصادر وصفها، وعليه تنضم هذه الجلسة إلى سابقاتها تحت عنوان «لا جديد»!
بري: اليوم الأول إجماع على الطائف
عبّر رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره مساء امس، في حصيلة اليوم الاول من خلوة الحوار الوطني في عين التينة، عن «انطباعات ايجابية» لمسها لدى المتحاورين «ليس اول مرة فحسب بل اكثر من اي مرة، وبدوا جديين ومتهيبين وعلى قدر كبير من المسؤولية للتوصل الى حلول رغم الانقسامات والخلافات السياسية. في الماضي كنت اسمع مماحكات بينهم لكنهم تجنبوها في الجلسة الاولى». الا انه لاحظ ان ابرز ما انتهت اليه الجلسة كان تثبيت «مبدأين اساسيين اولهما تأكيد التمسك باتفاق الطائف وتالياً وضع حد نهائي لكل ما يشاع عن اتجاه الى مؤتمر تأسيسي وحظي تثبيت هذا المبدأ باجماع المتحاورين، وثانيهما اعتبار انتخاب رئيس الجمهورية البند التنفيذي الاول في اي اتفاق يتم التوصل اليه وهو ما يتقدم ما عداه وان اتفق على السلة كي لا يقال انه حدث تجاوز لانتخاب رئيس الجمهورية».
وشدد بري على ان الجلسة الاولى تناولت معظم الوقت انتخابات رئاسة الجمهورية واكد الافرقاء رغبتهم في اجرائها في اسرع وقت، الا ان الجلسة الثانية اليوم ستتركز على قانون الانتخاب. وقال انه اوعز بتوزيع كل الاقتراحات المتعلقة باللامركزية الادارية، وهو تسلم في اليومين المنصرمين اقتراحاً كان اعده الوزير السابق زياد بارود ابان وجوده في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. على ان رئيس المجلس شدد على ان التوصل الى اتفاق على قانون الانتخاب «يشكل انجازاً في ذاته نظراً الى اهميته ما دامت ثمة عقبات داخلية وخارجية في طريق انتخاب رئيس الجمهورية».
واكد ان اللجان النيابية المشتركة المكلفة درس قانون الانتخاب «وصلت الى اقصى ما يمكن ان تتوصل اليه ولم يعد في مقدورها احراز اي تقدّم، لذا فإن الرهان هو على رؤساء الكتل النيابية المشاركين في خلوة الحوار، ومجرد اتفاقهم على قانون الانتخاب سينعكس على اللجان التي تضم ممثلين عن هذه الكتل، وعندئذ تتوصل الى قانون للانتخاب في خمسة ايام».
(الأخبار)