على مدى 25 دقيقة، لخّص رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة، أمس، سيرته السياسية أمام حشد من الصحافيين في مجلس النواب، قبل أن يعلن قراره بالعزوف عن الترشيح للانتخابات النيابية. موقف لم يكن سهلاً على السنيورة إعلانه، برغم التمني الحريري المعلن عليه بتقديم ترشيحه. موقف رئيس الحكومة الأسبق «يستأهل كل الاحترام، فالرجل له مكانته ورؤيته، وهذا الظرف ليس مناسباً للحديث أكثر عن أسباب خطوته»، كما يقول المحيطون به.
قال الرئيس فؤاد السنيورة في دردشة مع «الأخبار» إن المقولة المصرية «لبن سمك تمر هندي» تنطبق على قانون الانتخاب الحالي والتحالفات المسمومة التي يسببها خليط كهذا من المأكل والمشرب، متخوفاً من النتائج التي يمكن أن يفرزها قانون يدفع الصديق إلى نحر صديقه، محذِّراً من إفرازات سلبية على كل مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية، متوقفاً عند الإصلاح الذي لا يكون حين نشعر بأننا مجبرون على تحقيقه ويؤدي بالتالي إلى نتائج خطيرة، مشدداً على أن الدولة «لا تختصر إداراتها بتسوية سياسية مفتوحة على تناقضات».
نقطتان أراد السنيورة تأكيدهما، في مؤتمره الصحافي، أمس، وذلك خلال إعلانه قرار العزوف عن الترشح للانتخابات، الأولى، أنه انطلاقاً من كونه شريكاً للرئيس رفيق الحريري، سيبقى متمسكاً بالخط السياسي لتيار المستقبل، وداعماً للرئيس سعد الحريري. والثانية، أن معارضته لقانون انتخاب مخالف للطائف هو الدافع للعزوف، ولا سيما حين يفرض عليه القانون تحالفات غير مقتنع بها ولا يتماشى معها، حتى ولو كانت تحقق الفوز بالنيابة.
كانت الساعة الثانية عشرة تماماً حين وصل السنيورة إلى مجلس النواب، متأبطاً رزمة أوراق تختصر رحلة عقدين من الزمن في العمل «من أجل بناء الدولة». دخل قاعة المؤتمر الصحافي يحيط به سبعة نواب من «المستقبل»، أحاطوا به وقوفاً وجلوساً قبل أن يتوجه إلى اللبنانيين، معلناً عزوفه عن الترشح إلى الانتخابات النيابية، وقد تحول من رئيس حكومة سابق ونائب إلى «ناشط في الشؤون الوطنية والقومية، ومتابع للقضايا التي تعني لبنان واللبنانيين»، من دون أن يعني ذلك «انفصالاً عن تيار المستقبل الذي أنتمي إليه سياسياً ووطنياً».
يفرض القانون علينا تحالفات لسنا مقتنعين بها
عندما قرر رفيق الحريري الانخراط في العمل السياسي في لبنان عبر رئاسة مجلس الوزراء (1992)، تمنى على السنيورة أن يكون إلى جانبه وزيراً للمالية في كل حكوماته، يقول السنيورة، مشيراً إلى أنه قبيل استشهاد الحريري، «كنت قد اتفقت معه على أن أترك العمل الوزاري والتفرغ والعودة إلى العمل في القطاع الخاص». ولكن بعد استشهاده، «أعتز بأن تيار المستقبل ورئيسه سعد رفيق الحريري، تمنى علي ورشحني وأيدني في أن أتولى موقع رئاسة مجلس الوزراء»، معدداً إنجازاته خلال توليه الرئاسة الثالثة، وأولها وأهمها «إنجاز المحكمة الدولية».
وبرر عزوفه عن الترشح بقانون الانتخاب «الذي بنظري يتعارض مع الدستور في طريقة تشكيل وتقسيم الدوائر الانتخابية، الذي يجعله الأقرب إلى ما سمي خطأً “القانون الأرثوذوكسي”، وكذلك بسبب طريقة الانتخاب التي تعتمد على الصوت التفضيلي، وأيضاً بسبب اللوائح المقفلة التي تحرم المواطن حرية الاختيار، بما يسيء إلى ديمقراطية الانتخابات».
من مجلس النواب، حيث كان رفيق الحريري حاضراً بقوة في كلامه، مشى السنيورة باتجاه مقهى «الأتوال» بعد أن انتهى من الإدلاء بدلوه في مؤتمر صحافي هو الأول منذ تولي الحريري رئاسة الحكومة. بدا الرجل كمن قرر أن «يتحرر»، وبالتالي أن يأخذ قسطاً من الراحة، بعد مخاض طويل تخللته تعرجات كثيرة منذ عام 2005 حتى الآن.