طرح رئيس «تيّار المستقبل» لفرنجية جدّي وقائم.. والهدف منع انحلال الدولة وتجنّب الأسوأ الآتي من الخارج
السنيورة: إيران فرملت المبادرة بالتقاطع مع رفض أحزاب لبنانية
العودة إلى العروبة المستنيرة السبيل لاستعادة الشيعة العرب.. وعملية التبادل كشفت أن تدخل «حزب الله» حوّل القرى إلى أهداف عسكرية
أرادها الرئيس فؤاد السنيورة دردشة إعلامية «للتفكير سوياً» بما يشهده لبنان وما يجري في المنطقة الذي «هو الأساس ويمسّنا»، فلامس في اللقاء المطوّل الكثير من المسائل، مسجلاً موقفه منها وطارحاً جملة أفكار لنقاش عام، ومنها ضرورة العمل على استعادة العروبة المستنيرة التي حين خَبَتْ طفت على السطح الأمراض الطائفية، وكيفية استعادة الشيعة العرب إلى قلب العروبة، موضحاً في الذكرى الثانية لاغتيال الشهيد محمّد شطح واقعة الرسالة التي قيل أن شطح أرسلها إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، قبيل اغتياله، كاشفاً أنه وفريق عمله أعدّا مسودة رسالة التهنئة لروحاني عقب انتخابه، وأن شطح اقترح أن يتولى ترجمتها إلى الإنكليزية، وهي رسالة لم تُرسَل. الذكرى شكّلت، بالحضور الجامع لقوى 14 آذار، رسالة للجميع بأن هناك وجهات نظر واختلافات في الرأي داخلها لكنها لا ترقى إلى الخلاف بالنسبة للمبادئ الأساسية التي قامت عليها، وهي باقية بنسيجها وأمانتها العامة.
وعلى وقع الصدى الذي تركته عملية التبادل تنفيذاً للمرحلة الثانية من اتفاق الزبداني – الفوعا – كفريا، كان لافتاً للسنيورة مآل مقولة «حزب الله» عن ذهابه إلى سوريا لحماية قرى معينة ومزارات، فإذا به يحوّلها أهدافاً عسكرية، وحجم التفاوت في وجهات النظر في المجتمع اللبناني الذي عُبِّر عنه بين من رحّب هنا ومن رحّب هناك، وإن كان يعتقد أن عملية التبادل التي كانت لتفادي الأسوأ لا تلغي حقيقة أن أحداً لا يمكنه تغيير الجغرافيا، ومصيرنا في النهاية أن نكون على علاقة جيدة مع الشعب السوري، وأن نفتح على الشركاء في الوطن، مردداً مقولته بأن «لا عداوة مع «حزب الله» والتحاور معه من باب الاختلاف معه».
النقاش طال في جزئه الأكبر مبادرة الرئيس سعد الحريري لانتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. تلك المبادرة التي يفضل تسميتها بـ «الطَرح»، أعادها السنيورة إلى التمسك بـ «مقولة الرئيس القوي» الذي حُصر بالمرشحين الأربعة في لقاء بكركي، وإلى الضغوط والصدمات الآتية من الخارج، وتأثيرها على الداخل، وتلك الآتية من الداخل أمنياً واقتصادياً واجتماعياً، والتي لم نرَ سوى رأس جبل الجليد منها، والهدف منها تالياً تجنّب الأسوأ من الأحداث الداهمة القادمة من هذا الخارج، وما يمكن أن تُحدثه في الداخل، والتصدّي لحال «إنحلال الدولة» الذي يزداد يوماً بعد يوم، وشكلت أزمة النفايات أحد نماذجها الصارخة.
المبادرة التي هي في ظنه انطلقت نتيجة توافق غير مباشر سعودي – إيراني، وجرى إقناع الأوروبيين والأميركيين بها لحاجتهم إلى «مشكلة بالناقص»، لا تزال قائمة وموجودة ومُتمَسّك بها، وتكتسب أهميتها وجدّيتها من كون أن لا بديل عنها.
بدا جازماً أن المبادرة لم تنته. ما حصل أن إيران «ضربت فرام»، ومعه داخلياً ظهر موقف النائب ميشال عون وكذلك ظهر موقف كل من المُرشحَين الآخرين، سمير جعجع وأمين الجميّل، رابطاً «الفرملة» الإيرانية بتطورات الوضع في سوريا وبعلاقتها بالمملكة العربية السعودية، لافتاً إلى أن موفدين إيرانيين كانوا زاروا لبنان وأوحوا بأنهم سائرون بتلك «المبادرة» قبل أن تحدث الفرملة.
عامل الوقت برأيه قد يؤدي إلى تمييع المبادرة والإطاحة بها، تماماً كما قد يؤول إلى تقويتها في ظل غياب الطرح البديل.
أما لماذا فرنجية وليس عون؟ سؤال يعزو إجابته إلى ثلاثة أمور:
أولاً: إن عون لا يزال ينطلق في طروحاته من مبدأ رفضه لفكرة «اتفاق الطائف»، فيما فرنجية هو تحت سقف الطائف في طروحاته.
ثانياً: إن عون خطى خطوة أكثر جذرية في طرحه لـ «القانون الأرثوذكسي»، ما يُشكّل في رأيه تهديماً للمرتكزات التي يقوم عليها الطائف، والذي وفّر احترام إرادة المواطن وإرادة الجماعات في مجتمع متنوّع. إرادة المواطن عبر مجلس النواب وإرادة الجماعات عبر مجلس الشيوخ، فيما فرنجية استدرك سريعاً خطورة «طرح الأرثوذكسي».
ثالثاً: إن عون لم يُقدِّم في الحكومات التي شارك فيها تياره نموذجاً صالحاً لعمل الوزارات، فالأمثلة صارخة في ما يتعلق بالكهرباء والهاتف الخلوي، فيما سليمان فرنجية قدّم نموذجاً مقبولاً من خلال ممثليه في الحكومات.
وربما أكثر ما كان لافتاً، هو محاولة السنيورة الإيحاء بأن «طرح» الحريري لم يتطرّق سوى إلى انتخاب رئيس للجمهورية من دون تناول «السلة المتكاملة»، لكنه اعتبر أن عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة هي أمر ملازم لمرحلة الاستقرار، حاسماً في تأكيده أن ليس في «تيّار المستقبل» أي مرشح آخر سوى الحريري نفسه.
وحين سئل عمّا إذا كان فرنجية قد قدّم ضمانات للحريري بتوليه رئاسة الحكومة خلال السنوات الست المقبلة، اعتبر السنيورة أن أحداً لا يمكنه أن يراهن على ذلك، لا سيما أن تجربة «اتفاق الدوحة» لا تزال ماثلة للعيان، فهي وإن كانت مؤلمة لجهة النكوث بالاتفاق واستقالة أكثر من ثلث الوزراء، ما أدى إلى استقالة الحريري من حكومته، إلا أنها تؤشر إلى اختلاف رئاسة الحكومة عن رئاسة الجمهورية، فرئيس الحكومة «يذهب إلى بيته»، حين يفقد الأكثرية، فيما رئيس الجمهورية يبقى في سدّة الحكم لولاية كاملة، وهو رئيس الدولة ورمز وحدتها والقادر على جمع كل مكوناتها تحت جناحيه.
في رأيه أن «حزب الله» والعماد عون سيعمدان في الفترة المقبلة إلى تفعيل الحكومة في محاولة لامتصاص تداعيات انسداد الأفق الحاصل في البلاد، وللتغطية على استمرار الفراغ الرئاسي.
الكلام يطول عند الرئيس السنيورة. مِن مسلماته أنّ مَن يريد أن يعمل بالسياسة يجب ألا يدخل اليأس إلى قاموسه. لكن ذلك لا يمنعه من الاستشهاد بالمثل اللبناني الدارج «الديك إلو يصيح وطلوع الضوّ على الله» للدلالة على واقع الحال الذي يحكم البلاد والعباد.
رلى موفّق